على منهاج النُّبوَّة ٢
إنه قد شَهِدَ بدراً!
كانتْ مكة على موعد قريب مع الفتح، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حسم أمره بالسير إليها، وأخبر الجيش بالاستعداد، ولأن الحرب خِدعة، ولأن من يملك عنصر المفاجأة نادراً ما يُهزم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بكتمان أمر المسير إلى مكة.
كان كل شيء يسير كما هو مُخطط له، الصحابة من أهل مكة يحلمون باللحظة التي سيُقبِّلون فيها ترابها، والصحابة من أهل المدينة ما زالوا يحلمون بعُمرةٍ رُدُّوا عنها يوم الحُديبية! وبقية الصحابة من جزيرة العرب يحلمون باللحظة التي سيرتفع فيها أذان مكة مُعلِناً أنَّ الله أكبر! غير أنَّ شيئاً لم يكن بالحسبان قد وقع… يستدعي النبيُّ صلى الله عليه وسلم الفرسان الثلاثة علي والزبير والمقداد ويأمرهم بالتوجه على الفور إلى "روضة خاخ" حيث هناك امرأة تحملُ رسالةً عليهم إحضارها إليه مهما كلَّف الأمر!
توجَّه الثلاثة مُسرعين فوجدوا المرأة هناك، فطلبوا منها أن تُعطيهم الرسالة، فأنكرتْ وجودها، فقالوا لها: إما أن تُخرجي الكِتاب أو لنضعنَّ الثياب!
فلما علمتْ أنهم عازمون على تفتيشها، أعطتهم الرسالة وعادوا بها إلى المدينة، وهناك فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم الرسالة فإذا هي من حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يُعلِمهم فيها بعزم النبي صلى الله عليه وسلم السير إلى مكة لفتحها!
خرقٌ أمني خطير! وإن شئتَ فقُلْ: خيانة عُظمى!
ويُبرر حاطبٌ فعلته بأنَّ له أهلاً ضعفاء في مكة، وأنه ما أراد برسالته غير أن تكُفَّ قريش أذاها عنهم!
ويقبلُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عُذره… غير أن عمر بن الخطاب بحزمه المعتاد، وشراسته المتوقعة إذا ما تعلَّق الأمر بهذا الدين يقول: يا رسول الله ائذن لي أن أضربَ عنق هذا المنافق!
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يا عمر، إنه قد شهد بدراً، وما أدراك لعلَّ الله قد اطلعَ على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرتُ لكم!
إنه قد شهد بدراً!
يا تُرى هل نتذكر ماضي الناس المشرق عندما يقعُ منهم خطأ، أم أننا ننسى كل المعروف، واللحظات الحلوة، والمشاعر الجميلة التي عشناها عند أول زلة قدم؟!
في حياة كل إنسان "بدر قد شهدها" فلماذا لا نمحو الخطأ ببدر تلك بدل أن نمحو بدراً بهذا الخطأ!
لماذا نُريد من الناس أن يكونوا ملائكة على الدوام؟! أليس لكل جواد كبوة، ولكل قدم زلة، ولا بد للنبيل أحياناً أن يخونه نُبله، وقد قال علي بن الجهم:
ومن ذا الذي تُرجى سجاياه كلها
كفى المرءُ نُبلاً أن تُعدَّ معايبه!
تجد الزوجة تخوضُ كل يومٍ بدراً، تربيةً للأولاد، وطبخاً ونفخاً، وتدريساً واهتماماً، وعند أول خطأ ينسى الزوج ذلك كله وكان بإمكانه أن يقفز عنه!
وتجدُ الزوجَ محباً حنوناً رحيماً فإذا أخطأ قامت الدنيا ولم تقعد، تنسى الزوجة عُمراً من المعروف بموقف كان بإمكانها التغاضي عنه!
لماذا على المدير أن ينسى كل ماضي الموظف المشرق عند خطأ عابر، وعلى الموظف أن ينسى لُطف المدير السابق عند أول موقف حزم!
لماذا ينسى الوالدان سنوات ابن في البِر لموقف عقوق واحد، وينسى الأولاد إحسان الدهر من الوالدين للحظة ضعف إنساني واحد!
احفظوا لكل أَحدٍ "بدره" ولا تمحوا كل المعروف بموقف واحد!
أدهم شرقاوي
#منهاج_النبوة
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٣
فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
كان يوم بدر يوم حمزة بن عبد المطلب بامتياز، صالَ فيه الأسدُ الهصور وجالَ، ما مرَّ بفارسٍ إلا وصرعه، ولا أتى على محاربٍ إلا أهلكه، كيف لا وهو الذي كانت تُلقبه قريش في الجاهلية بِصائِدِ الأُسود، ولقَّبه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الإسلام بأسدِ الله وأسدِ رسوله!
لقد أصابَ قريشاً في مقتلها، واعتبرته المسؤول الأول عن هزيمتها في بدر، وكان لأكثر من بيتٍ قرشي ثأرٌ عنده! وكان وحشي بن حربٍ عبداً رامياً بالحربة، مُجِيداً فيها، فوُعِدَ إن هو قتل حمزة يوم أُحد أن يصير حُراً، وهكذا كان، استشهد أول قائد هيئة أركان في تاريخ الإسلام، وصار وحشيٌ حُراً طليقاً! ولما فتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة، هربَ وحشيٌ إلى الطائف خوفاً من فِعلتِه، ثم إنه قد قيل له: إن الرجلَ لنبيٌّ، وإنه لا يثأر لنفسه، وقد قال: الإسلام يجُبُّ ما قبله، فلو أتيتَه وأسلمتَ، لَقَبِل منك، وعفا عنك!
فجاء وحشيٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولما رآه قال له: أنتَ وحشي؟
قال: نعم
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أنتَ قتلتَ حمزة؟
فقال: قد كان من الأمر ما بلغكَ، وقد جئتُ أشهد أن لا إله إلا الله، وأنكَ رسول الله!
فقال له النبيُّ صلى الله عليه وسلم: فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
ولم يلتقيا بعدها، فلما قُبِضَ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وادعى مُسيلمة الكذاب النبوة، خرج وحشي في جيش المسلمين، وقتل بحربته مُسيلمة! وكان بعدها يقول: قتلتُ بحربتي هذه خير الناس وشر الناس، حمزة بن عبد المطلب ومُسيلمة الكذاب!
فهل تستطيع أن تُغيِّبَ وجهكَ عني؟!
هنا مربط الفرس، وإسطبلُ الكلام!
الإسلام يجبُّ ما قبله، ولا يستطيعُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يردَّ إسلامَ من جاءه مسلماً لأي فعلة فعلها في الجاهلية حتى لو كان قد قتلَ عمّه! لهذا قبلَ إسلامَ وحشي! ولكنه بأبي هو وأمي لا يستطيع أن يخرجَ من قفص بشرِيَّتِه، إنه يُحبُّ ويكره، ولا يُريدُ أن يرى وجه وحشي طالما فيه جفن يطرف!
لقد طبَّق شرع ربه بقبوله إسلام وحشي، ولكن حقه الشخصي رفضَ أن يتنازل عنه، ما زال موجوعاً لفقد عمه وقائد جيشه وأحد أشرس جنود الإسلام!
العفو عند المقدرة من شِيَمِ النُّبلاء، وقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نبيلاً فعفا، ولكن العفو شيء والودُّ شيء آخر!
أحياناً يجرحنا الآخرون عميقاً، يُسبِّبون لنا جروحاً غائرة لن تُشفى ما دامت السماوات والأرض، وقد يدخل الناس للصلح، وقد نسامح، ولكننا لا نُريدهم بجانبنا مرةً أُخرى، ولا نُريد رؤية وجوههم حتى، لأننا كلما رأيناهم سنتذكر طعم الطعنة التي طعنونا إياها، ونتحسس الجرح الذي أحدثوه فينا ولم يبرأ بعد!
تفهموا أن الذي لا يريدُ عودة الأمور إلى مجاريها مجدداً رغم مسامحته ليس بالضرورة أن يكون حقوداً، فلو كان حقوداً ما طوى الصفحة أساساً، ولكن جرحه له وحده، وعلينا أن نحترم خصوصية الجُروح!
وقريباً من هذا قال الأديب الروسي ليو تولستوي: عندما يخونونك فكأنما قطعوا ذراعيك، تستطيع أن تُسامحهم، ولكنك لا تستطيع أن تُعانقهم!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة 5
لم أستفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب!
ضاقتْ عليه مكة، أبو طالب الذي كان يحوطه ويرعاه قد مات، وخديجة جبهته الداخلية ومتراسه قد ماتتْ أيضاً، ولم يتغيَّر شيء في مكة، ما زالت غارقة في الضلال، تُكذِّبُ نبيَّها، وتسومُ أصحابه أصناف العذاب، فقرَّر المسير إلى الطائف، علَّه يجد فيها قلوباً أرحم من تلك القلوب القاسية في صدور سادة قريش، وفي الطائف عرضَ دعوته على سيدها ابن عبد ياليل، فوجده كأبي جهل غلظةً، وكأبي لهبٍ تكذيباً، وكأُمية بن خلف أذيةً، فأطلق خلفه سُفهاء الطائف وغلمانها يرشقونه بالحجارة حتى سالَ الدم من قدميه الشريفتين!
بعد سنوات من هذه الحادثة، كانتْ جزيرة العرب تدين بالإسلام، فقد جاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجاً! وتسأله عائشة: هل أتى عليكَ يوم أشد من يوم أُحد؟!
كانت تعرفُ كم كان موجعاً ذلك اليوم، فَقَدَ فيه عمه حمزة، المُقاتل الشرس، ورئيس هيئة أركانه! وفقد سبعين من خيرة أصحابه، وشُجَّ رأسه، وكُسرتْ مقدمة أسنانه!
ولكنه حدثها عن يوم الطائف، لقد كان عليه أشد من يوم أُحُد، فبعد أن رجموه وأخرجوه، يقول لها: فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستَفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب! فرفعتُ رأسي فإذا بسحابة فيها جبريل، فناداني، فقال: إنَّ الله تعالى قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعثَ إليكَ ملك الجبال لتأمره بما شئتَ فيهم! فناداني ملكُ الجبال، وقال: إن شئتَ أطبقتُ عليهم الأخشبين!
فقلتُ: بل أرجو أن يُخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يُشرك به شيئاً!
الشاهد في القصة:
فانطلقتُ وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفِقْ إلا وأنا في قرن الثعالب!
هو يعلم أنه نبي، ويعلم أنَّ دينه سينتصر نهاية المطاف، ويعلم أن الله معه ولن يخذله، ولكنه إنسان يحزن، ويضيق صدره، ويُصيبه الهم، بل ويسير هائماً على وجهه لا يدري أين تاخذه قدماه بأبي هو وأمي، ثم ينتبه فإذا هو في قرن الثعالب قد مشى مسافةً بعيدة عن الطائف!
فما بالك بنا نحن الذين لو جُمع إيماننا جميعاً في كفة وإيمانه هو في كفة لرجح إيمانه على إيماننا، ولفاقَ يقينه باللهَ يقيننا، ولغلبَ صبره صبرنا، أليس من حقنا نحن أيضاً أن ننكسر أحياناً، ونمشي لا ندري أين تأخذنا أقدامنا؟!
فهل قدَّرنا هذا لبعضنا، وعرفنا أنه تمرُّ بالإنسان لحظات يخرجُ فيها عن طبعه الطيب، واتزانه الذي عرفناه به، وعقله الراجح الذي ألِفناه عليه؟!
تمرُّ بالإنسان لحظات لا يُطيق فيها أن يقول كلمة، أو يسمع نصيحة، أو يُقابل إنساناً، فلماذا نعتبرُ الأمر شخصياً، ونزيد هموم بعضنا البعض بدل أن نُراعي أنَّ النفس في إقبال وإدبار، وأن الروح تمرضُ تماماً كما يمرضُ الجسم؟!
إذا رأيتَ صديقك ضَجِراً فلا تكن له هماً فوق همه، كُن له قرن الثعالب الذي يستفيقُ عنده!
احترم حزنه، وحاجته في أن يبقى وحده، ثم حين يهدأ، اِربتْ على كتفه، وامسح على صدره، وواسِ قلبه، حدِّثه حديث القلب للقلب، والروح للروح، دعكَ من المنطق قليلاً، فالنفس لحظة انكسارها تحتاج احتواءً لا درساً، والروح لحظة تيهها تحتاج احتضاناً لا محاضرة!
نحن نضعف لا من قلة الإيمان ولكن من قسوة الحياة، ما كان إيمان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قليلاً يوم الطائف، ولكن الحياة كانت قاسية، ولقد علِم الله حجم وجعه وانكساره، فلم يُعاتبه لأنه هام على وجهه، ولم يقل له أين إيمانك بي، بل أرسلَ له ملائكةً، تحفه وتنصره، علم الله تعالى أن رسوله نهاية المطاف إنسان، وأن الناس تمر بهم لحظات ضعف تحتاج عندها قلباً حنوناً لا عقل فيلسوف أو لسان خطيب!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٦
أَجِبْ عني!
مرَّ عُمر بن الخطاب يوماً بالمسجد، فإذا حسَّان بن ثابت يُنشِدُ فيه شِعراً، فانتهره عُمر لا تحريماً للشعر، ولا انتقاصاً من قيمة الشعراء، كيف لا وهو القائل: خذوا لُغتكم من كتاب ربكم وقديم شِعركم! وإنما كان نهيه إعلاءً لقيمة المسجد، وتنزيهه أن لا يُقال فيه إلا قرآن كريم وحديث نبوي.
ولكنَّ حسَّان بن ثابتٍ قال له: يا أمير المؤمنين كنتُ أُنشِدُ في المسجد شِعراً وفيه من هو خير منك!
ثم التفتَ إلى أبي هريرة وقال له: يا أبا هُريرة أما سمعتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لي: يا حسَّان أَجِبْ عني، اللهمَّ أيِّده بروح القُدُس؟!
فقال أبو هريرة: نعم
فمضى عمر وتركه!
واستطراداً، إني لو كنتُ مُحدِّثاً، وأردتُ أن أجمع الأحاديث الواردة في فضل عُمر بن الخطاب، لأوردتُ هذا الحديث في فضائله، فليستْ الفضيلة في أن يكون المرء على صواب دوماً، إنما أن يكون وقافاً عند الحق إذا تبيَّن له أنه مُخطئ!
أَجِبْ عني!
هنا مربط الفرس، وبُغية الكلام!
هذا الدين الذي احتاج يوماً إلى سيف خالد حين احتدمتْ المعارك الحربية، احتاج أيضاً إلى قصائد حسان حين احتدمتْ المعارك الفكرية، خالد لم يكن بإمكانه أن يسُدَّ مكان حسَّان، وحسَّان لم يكن بإمكانه أن يسُدَّ مكان خالد! لقد وضع الله سبحانه كل واحدٍ منا على ثغر، وعليه أن يحرس هذا الثغر بكل ما أُوتي من قوة، دون أن يستصغر الثغر الذي يحرسه، ودون أن يتفاخر بأن ثغره أهم من بقية الثغور!
مال عثمان بن عفان كان يوم جيش العُسرة أهم من قراءة أُبي بن كعب، وعند جمع المصحف الشريف كانت قراءة أُبي بن كعب أهم من مال عثمان، وسيف خالد، وقصائد حسَّان، فكُن أسداً عندما يحين دورك!
سيف علي بن أبي طالب يوم تصدَّى لمَرْحبٍ في غزوة الخندق، يُوازي مال أبي بكرٍ الذي أعتقَ به بلالاً، ما كان لسيف علي أن يُحرر عبداً مسلماً من قيده، تماماً كما لم يكن لمال أبي بكر أن يقضي على مَرْحبٍ! هذا الدين تكامل بين أتباعه، لا تنافس وتفاضل!
وهذا هو حال الإسلام اليوم، ثُغور شتَّى، وكل واحد منا على ثغر!
الأم في بيتها على ثغر، لأن صناعة الرجال مهمة عظيمة!
والمُدرِّس في صفه على ثغر، لأن الأمة الجاهلة تُقاد ولا تقود!
المُجاهد على ثغر لا يسده إمام المسجد، وإمام المسجد على ثغر لا يسده التاجر الثري، غير أن ثغر التاجر الثري صدقةً وإنفاقاً وإعانة للناس لا يقل أهمية عن دور المجاهد الذي يجود بدمه، وإمام المسجد الذي يأخذ بأيدي الناس إلى الله!
أُنظُرْ أين أقامك الله، هذا هو ثغرك الذي عليكَ أن تحميه، وتُجاهد فيه، وعندما يقوم كل واحد منا بدوره، تستعيد هذه الأمة مجدها!
مرِضَتْ زوجة الملك، فأوصى الأطباء أن تستحم كل يوم بالحليب، فتساءل الملك كيف يملأ الحوض حليباً كل يوم، فاقترح وزيره أن يحضر كل راعٍ في المملكة دلو حليب في الليل يفرغه في الحوض، وهكذا تُحلُّ المشكلة!
قال كل راعٍ في نفسه، لو وضعتُ دلو ماء، سيضيعُ بين دلاء الحليب، ولن يعرف الملك، وفي صبيحة اليوم التالي، وجد الملك الحوض مملوءاً ماءً!
لم يبدأ كل واحدٍ بنفسه، لقد انتظر أن يقوم الآخرون بدوره، وهذا باختصار هو حالنا اليوم!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٨
إِن تَصْدِقِ اللهَ يصدُقُكَ!
لم يكن أحدٌ من الصحابة يعرفه، مجرَّد أعرابي جاء من الصحراء وبايع النبيَّ صلى الله عليه وسلم على الهجرة والجهاد. ثم كانت غزوة، وخرج الأعرابي مُدافعاً عن هذا الدين في جُملة من خرج، ثم منَّ الله على المسلمين بالنصر، وقسم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم بين أصحابه، وترك للأعرابي نصيبه، فلما جاء وقيل له تركَ لك رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا، أخذَ الغنيمة وتوَجَّه إليه، وقال له: يا رسول الله ما هذا؟
فقال له: قسمته لكَ
فقال: ولكن ما على هذا اتبعتكَ يا رسول الله، ولكني اتبعتكَ على أن أُرمى بسهمٍ ههنا -وأشار إلى رقبته- فأموت فأدخل الجنة!
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إِنْ تَصْدِقِ اللهَ يصدُقُك!
فلما كانت جولة أُخرى من القتال، أُتِيَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم محمولاً، والسهم مغروز في رقبته حيث أشار سابقاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أهو هو؟
فقالوا: نعم يا رسول الله
فقال: صدقَ اللهَ فصدقه الله!
ثم كفَّنه النبي صلى الله عليه وسلم في جُبَّتِهِ، وصلى عليه، وكان ممّا سمعوا من دعائه يومها أنه قال: اللهم هذا عبدك خرج مُهاجراً في سبيلك، فقُتِلَ شهيداً وأنا شهيد على ذلك!
إِنْ تصْدِقِ اللهَ يصدُقُك!
يُمكنك أن تتحدث طويلاً عن رغبتك في الجهاد، وعن نيتك في الالتزام بصلاة الفجر، وعن أُمنيتك في حفظ القرآن الكريم، وعن عزمك على الصدقة كثيراً لو كنتَ غنياً، ونحن لا يُمكن أن نحكم عليكَ إلا بظاهركَ، ولكن الله سبحانه يراك من الداخل، ينظر إلى قلبك عارياً من فنون الخطابة، وحسن البلاغة، وضجّة الإعلام والبيانات، وعلى ما في قلبك سيعطيك!
إنَّ الله يُعطي على نية العمل أجر عمل كامل لم يُعمل حين يعلم في قلب عبده صدقاً أنه لو استطاع لعملَ، ولا يقبل الطاعة على حسن ظاهرها إن علم أن وراءها رياءً وحب شُهرة ونفاقاً، وقد كان عبد الله بن سلول يُصلي الفجر جماعة خلف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الدرك الأسفل من النار، لقد عمل بجوارحه عمل الصالحين وعمل بقلبه عمل المنافقين، وإنما المرءُ بقلبه!
وقد جاء في الأثر أنه قد أصاب بني إسرائيل زمن موسى عليه السلام فاقة ومجاعة، وأنَّ راعياً بسيطاً نظرَ إلى الجبال حيث يرعى غنم الناس، وقال: اللهم إنك تعلمُ أنه لو كان لي مثل هذه الجبال ذهباً لتصدقتُ بها على عبادك!
فأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام أن يا موسى قُلْ لعبدي أني قبلتُ منه صدقته!
تذكروا دوماً أن الله لا ينظر إلينا من أعلى فحسب، ولكنه ينظر إلينا من الداخل أيضاً، وعلى قدر النوايا تكون العطايا!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٩
ما لي أراك منكسراً؟
عاد المسلمون من أُحُدٍ بالهزيمة، وهزيمةٌ تُربيك وتكسرك وتُريك خطأك خير من نصرٍ يُطغيك! أراد الله سبحانه أن يُربي هذه الأمة ويُخبرها أن لا نصر إذا لم يُطَعْ عبده ورسوله!
ولأن فقد الأحبة مُوجع، والفِراق أليم، والصحابة بشر، خيَّم عليهم الحزن، حتى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كُلِمَ بفقد عمه، وظلَّتْ خسارة حمزة جرحاً ينزُّ داخله إلى أن فارق الدنيا! ولكن على الحياة أن تمضي، فلملموا جراحاتهم، وطيَّب بعضُهم خاطر بعض، وكان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الأكثر تطييباً للخواطر رغم أنه كان الأكثر ألماً! ولقيَ يوماً جابر بن عبد الله بن حرام، فقال له: يا جابر، ما لي أراك منكسراً؟
فقال له: يا رسول الله قُتِلَ أبي يوم أُحُد، وتركَ عيالاً ودَيْناً!
فقال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: أفلا أُبشركَ بما لقيَ اللهُ به أباك؟
قال: بلى
فقال له: ما كلَّم الله أحداً قط إلا من وراء حجاب، ولكنه أحيا أباك فكلَّمه كِفاحاً، وقال له: عبدي تمنَّ عليَّ أُعطِكْ! فقال: يا رب أن تُحييني فأُقتلَ فيك ثانية! فقال الربُّ عزَّ وجل: إنه قدَ سبق َمني أنهم إليها لا يُرجعون!
ما أعذبها من عبارة: يا جابر ما ليَ أراك منكسراً؟!
أحياناً لا يريدُ الناسُ أكثر من كلمة حلوة، وتربيتة على الكتف، وأن تُخبرهم أنكَ تهتم، وأنه يُوجعك حزنهم. إن الكرم ليس مالاً فقط، الاهتمام كرم أيضاً، والمواساة أحياناً تُساوي مال الدنيا كلها! فهل طبقناها في حياتنا، هل رأينا حزناً بادياً على وجه صديق فسألناه ما به، هل أشعرناه أننا نهتم، وأننا بجانبه وعلى استعداد لفعل أي شيء لنُزيل عنه بعضاً ممّا نزل به، أم تعاملنا مع الناس على مبدأ: لا يهمني أحد ما دمتُ أنا بخير!
كان جابر يعرفُ أنَّ أباه قد ماتَ شهيداً دفاعاً عن دينِ الله وشريعته، وأن آخر لحظات عمره كانت تحت راية النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ويا لها من خاتمة، ولكن كل هذا لم يُلغِ أنه يحتاج من يُذكره بفضلَ أبيه، فلا شيء يرممُ فقد الدنيا سوى معرفة أن الآخرة خير منها وأبقى، فإذا عزيتَ أهل عزاءٍ بفقيدهم ذكِّرهم بحسناته وأخلاقه في الدنيا، وأن المؤمن إنما ينتقل من جوار الناس إلى جوار الله، هذا وحده يُبلسم الجرح!
في الحديث لا يذكر جابرٌ أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قضى دين أبيه، ولكنه عليه السلام قد فعلَ، ليس مع جابرٍ فقط، وإنما حين كثُر المال كان يقول للمسلمين: من تركَ مالاً فَلِوَرَثَتِه، ومن تركَ دَيْناً فعلينا!
أحياناً يموت الناس في المستشفيات، ويتركون وراءهم حساباً ثقيلاً لا يستطيع الأهل تسديده، وأنتَ أعلم بحال الميت وأهله، فإن علمتَ فيهم فقراً، وقلة ذات يد، سَلهم إذا ما كانوا يحتاجون شيئاً، والأنبل لو بادرتَ بالمساعدة من غير سؤال إذا غلبَ على يقينك أنهم أهل حاجة، فلا يجتمع عليهم ألم الفقد، وثقل الدَّين!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ١١
إنها كانت تُحبُّ خديجة!
كانتْ في الأربعين من عمرها وكان هو في الخامسة والعشرين! كانتْ حنونة تُغدِقُ عليه كلَّ قلبها فتُشعره أنها في مثل سنِّه، وكان حكيماً ناضجاً إلى الحد الذي يُشعرها أنه في مثل سنِّها!
كانتْ ثرية جداً ولكنها كانت تُشعره أنه عندها أغلى ممَّا تملك، وكان فقيراً ولكن كان يُشعرها أنها أغلى عنده ممَّا تملك!
فإن قيل لك أنَّ الحُبَّ يصنع المُعجزات فصدِّقْ!
وينزلُ الوحي، ويا لهول الموقف، لا بُدَّ له من ملجأ بعد هذا الذهول والبرد الذي أصابه، فلم يذهب إلى عمِّه الشجاع حمزة، ولا إلى عمِّه الحنون أبي طالب، ولا إلى صديقه الوفي أبي بكر، وإنما ذهب إلى خديجة، كان يعرفُ أنَّ عنده امرأة تُساوي جيشاً كاملاً ولقد كانتْ عند حُسنِ ظنه بها! هدَّأته، وذكَّرته فضائله، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل، فلما علمتْ أنه نبي كانت أول من أسلمَ من أهل الأرض!
وتموت خديجة… وتضيقُ الأرضُ عليه، فيأخذه ربُّه إلى السماء فيما يُشبه عزاءً لرجل مكلوم فقدَ حبيبته الحنون، وصديقته الرؤوم، وزوجته الوفيَّة! ويُهاجر ويتزوج ويبقى مكان خديجة في قلبه شاغراً لا يملأه أحد!
كان قد شارف على الستين حين رأى عجائز قد شارفنَ الثمانين فخلعَ رداءه ليجلسنَ عليه، وقال لمن حوله يُبدِّد استغرابهم: هؤلاء صُويحبات خديجة!
وتأتيه امرأة عجوز في بيته، فيهشُّ لها ويبشُّ، فتستغربُ عائشة كل هذا الترحاب، فيُعلِّل قائلاً: إنها كانت تأتينا زمان خديجة!
زمان خديجة! ألاحظَ أحدكم أنه كان يُؤرِّخ حياته بها!
وكان يذبحُ الشاة، ويُقطِّع لحمها ثم يقول: أعطوا منه صُويحبات خديجة!
ويقول أنس كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إذا أُتِيَ بالشيء يقول: "اذهبوا به إلى بيت فُلانة فإنها كانت تُحِبُّ خديجة"!
إنه لا يُحبها فقط، بل يُحبُّ كل من أحبَّها!
مُخطئ من يعتقدُ أن الحُبَّ منقصة للرجولة، وأن إظهار الحُبِّ والاهتمام والوفاء ضعف في الشخصية، ها هو سيد الرجال يحبُّ خديجة حيةً وميتة، فلا تخجلوا بمشاعركم، عيشوها حتى آخر رمق، لا شيء في الدنيا أجمل من الحُبِّ الحلال!
مُخطئ من يعتقد أن القسوة هي التي تصنعُ منه رجلاً، بل الرجل بمقدار ما يلينُ ويعطِف ويُكرم ويُدلِّل، وإن حُسْنَ العهدِ من الإيمان كما قال سيدنا!
مُخطئ من يعتقد أن النساء لا يمشين إلا بالصوت والسوط، بالحُبِّ وحده يمكن امتلاك المرأة، بالحُب وحده!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
رسالة إلى المسجد الأقصى !
أقصانا الحبيب:
السّلام عليكَ يوم بُنيتَ لتكون ثاني مسجدٍ في الأرض وأوّل قِبلة!
السّلام عليكَ يوم جُمع فيك النبيّون ليؤمهم سيّدهم!
السّلام عليكَ يوم كنتَ آخر الإسراء وأوّل المعراج!
السّلام عليكَ يوم جاءكَ ابنُ الخطاب فاتحاً!
السّلام عليكَ يوم جاءكَ صلاح الدّين مُحرراً!
السّلام عليكَ يوم أضعناكَ، فبكيناكَ كالنّساء مسجداً لم نحافظ عليه كالرّجال!
السّلام عليكَ فيما مضى وما سيأتي...
السّلام عليكَ يوم ينطقُ الحجرُ والشّجرُ في أرجائك: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي تعال فاقتله!
السّلام عليكَ يوم يأتيك عيسى ابن مريم وهو في طريقه إلى باب لُد لقتل الدّجال!
السّلام عليكَ وعلى كلّ ما حولك، على نخل بيسان يوشك أن لا يُثمر، وعلى بحيرة طبريا يوشك أن لا يكون فيها ماء، كُتبَ لكَ منذ البداية أن تشهد أحداث النهاية!
والسّلام علينا....
السّلام على المقدسيين الذين يحرسونك بأهداب العيون، السلام عليهم طفلاً طفلاً، امرأةً امرأةً، رجلاً رجلاً!
السّلام على إعلامنا الذي لا يذكركَ خشية أن يُتّهم بالإرهاب!
السّلام على مثقفينا الذين يتحاشوك كي لا يُتهموا بمعاداة السّامية!
السّلام على جامعتنا العربيّة التي تبرّأتْ منكَ!
السّلام على جيوشنا الجرارة التي لا تسير إليكَ!
السّلام على صفقات الأسلحة التي لا نراها إلا في العروض العسكرية وعلينا!
السّلام على حكامنا أسدٌ عليّ ومع اليهود نعامة!
أقصانا الحبيب:
لا تحزن إنّ الله معكَ، وكما قال عبد المطلب لأبرهة: للبيت ربٌّ يحميه!
سترجعُ إلينا عندما نستحقك!
سترجعُ إلينا عندما تصبح مدافعنا أطول من ألسنتنا!
سترجعُ إلينا عندما نحاسب أولادنا على ترك الصلوات كما نحاسبهم على تدني العلامات!
سترجعُ إلينا عندما يصبح عدد أطفالنا في حلقات تحفيظ القرآن أكثر من عددهم في حلقات تحفيظ آرب آيدول!
سترجعُ إلينا عندما نكون لزوجاتنا كما نحب أن يكون الأزواج لبناتنا!
سترجعُ إلينا عندما نكون مع والدينا كما نحب أن يكون أبناؤنا معنا!
سترجعُ إلينا عندما لا نبيع بناتنا لمن يدفع مهراً أكثر!
سترجعُ إلينا عندما لا نأكل حقوق أخواتنا في الميراث!
سترجعُ إلينا عندما نعرف عن رجال البخاريّ أكثر مما نعرف عن لاعبي ريال مدريد وبرشلونة!
سترجعُ إلينا عندما تزدحمُ المساجد في صلاة الفجر كما تزدحم المقاهي بعد العشاء!
سترجعُ إلينا عندما تصبح الوظيفة أمانة لا مجرد وسيلة للرغيف!
سترجعُ إلينا عندما يأمن الجار جاره على نفسه وعرضه وماله!
سترجعُ إلينا عندما لا نتكبر على عامل النظافة ونُطأطئ الرقاب للوزير!
سترجعُ إلينا عندما تنهانا صلاتنا عن الحرام، ويجعلنا رمضان أتقى، ويصبح الحج أكثر من لقب!
سترجعُ إلينا عندما تصبح الوظائف للأكفأ لا للذي جاء من طرف فلان!
سترجعُ إلينا عندما نأخذ حقوقنا بالقوانين لا بالمكرمات!
سترجعُ إلينا عندما لا يخاف الضعيف ضياع حقه أمام القوي، ولا يأمن القوي إذا فكر أن يظلم الضعيف!
سترجعُ إلينا عندما نكون جديرين بكَ، أما الآن فنحن لا نستحقك !
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ١٣
بئسَ أخو العشيرة!
كل كلامه حكمة، وكل موقف له درس، وكل لحظة من لحظات عمره يجب أن تُدوَّن بحبر من ذهب على صحائف من فضة، هو الرجل الذي لا يوجد منه في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، وهذه حكمة أخرى، ودرس آخر، ولحظة يجب أن تُدوَّن!
كان يوماً جالساً في بيت عائشة، فاستأذن رجلٌ في الدخول عليه، فقال: اِئْذنوا له بئس أخو العشيرة!
فلما دخلِ عليه ابتسم في وجهه، وألانَ له الكلام، فلما غادر الرجلُ، قالت له عائشة: يا رسول الله: حين استأذنَ عليك قلتَ الذي قلتَ، ثم تبسَّمتَ له وانبسطتَ إليه!
فقال لها: يا عائشة، متى عهدتني فحَّاشاً، إن شرَّ الناسِ عندَ اللهِ منزلةً يوم القيامة من تركه الناسُ اتقاء شرِّه!
هذا درس بليغ في المُداراة! ويخلطُ الساذجون بين المُداراة والنفاق، وهذا خلطٌ مذمومٌ، وفهمٌ عقيمٌ لأدبيات التعامل مع الناس!
هناك تصرفات متشابهة قد تبدو لِلْوهلة الأولى متطابقة، ولكن إذا ما تأملناها بعين الفَراسة بدا لنا البون شاسعاً، وأن بينهما شعرةً رقيقة يا لحظِّ من أدركها فقد فهم الحياة!
إن من يخلط بين المُداراة والنفاق كالذي يخلط بين البخيل والاقتصادي، وبين الجبان والحَذِر، وبين المتهور والشجاع، وبين الوقح والجريء، وبين المُبذِّر والكريم!
قد يمنعك ظرف ما أن تقول للظالم أنه ظالم وهذه مُداراة، ولكن النفاق أن تصفق لظلمه! عدم قول الحق لا يعني الرضى بالباطل، الرضى بالباطل هو التصفيق له، والشدّ على يد أهله، على أنَّ الأصل هو قول الحق، ولكن الله أعلم بظروف العباد!
والأهم من هذا كله، احذرْ أن تكون أنتَ بئسَ أخو العشيرة!
أن يُداريك أبواك وينتقيا كلامهما معك خوفاً من سلاطة لسانك وسوء طبعك وقلة أدبك!
وأن تُداريك زوجتك لطول يدك!
وأن يُداريك أولادك لسوء خلقك!
وأن يُداريك جارك لأنه يعرف أنك كالعبوة الموقوتة لا أحد يعرف متى تنفجرُ في وجهه!
وأن يُداريك زملاؤك في العمل لأنك مؤذٍ وشرير لا يُؤتمن جانبك!
وأن يُداريك جلساؤك خوفاً من كلمة قد تصدر منهم عن أحدٍ فتحملها إليه لأنهم عهدوا فيك أنك تمشي بالنميمة بين الناس!
عندما يتحدث معك أبواك بأريحية، وتُجادلك زوجتك بأمان، ويُناقشك أولادك بسلام، ويتعامل معك جارك بتلقائية، ويتصرف معك زملاؤك ببساطة فأنتَ إنسان عظيم، وما كان هذا منهم إلا لأنهم علِموا حسن أخلاقك، المُهابُ أحياناً سيء الخُلق!
يُروى أن الخليفة المأمون نادى يوماً على غلامه ووجوه الناس وأعيانهم عنده، فلم يُجبه، فنادى ثانية فلم يُجبه، ثم في الثالثة خرج الغلام وقال: ما هذا القصر كلما غبتُ عنكَ ناديتَ يا غلام يا غلام!
فقبض المأمون على لحيته وصمت، وغطى الحاضرون وجوههم خوفاً من أن يضرب عنقه فيُصيبهم دمه! ولكنه رفع رأسه وقال: إن الملوك إذا حسنت أخلاقها ساءت أخلاق عبيدها، وإذا ساءت أخلاقها حسنت أخلاق عبيدها، وإني لا أشتري سوء خلقي بحسن أخلاق عبيدي!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ١٦
لا تبرحوا أماكنكم!
خرجتْ قُريش من غزوة بدر مُثخنة، ومرَّغ الإسلام كبرياءها في التراب، وقتلَ أبرز رؤوس الكفر فيها، لهذا لم تكن غزوة أُحُد مجرَّد جولة ثانية من صراع الحق والباطل، كانتْ بالنسبة إلى قُريش تعني الثأر، أما المُسلمون فقد كانوا على موعد مع واحد من أبلغ الدروس في تاريخ الإسلام!
لاحظَ النبي صلى الله عليه وسلم ميمنة جيش قريش بقيادة خالد بن الوليد، فخشِي أن يلتفَّ بفرسانه من وراء الجبل ويُصبح المسلمون بين فكَّي كماشة، فوضع سبعين من الرُّماة على الجبل، وأصدر إليهم أمراً عسكرياً واضحاً: لا تبرحوا أماكنكم، إن رأيتمونا نُهزم فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا نُنصر فلا تُشاركونا!
وبدأت المعركة، وأبلى المسلمون بلاءً حسناً، وذاقتْ قُريش بعض الذي ذاقته في بدر، فرَّ جنودها، وتبعهم المسلمون، ثم ظنَّ الرُّماة على الجبل أن الأمر انتهى، فنزلوا يُريدون الحظ من النصر والغنائم! عندها حدث ما كان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يخشاه، التفَّ خالد بفرسانه وصار المسلمون بين فكَّي كماشة، وتحوَّل نصرهم إلى هزيمة، وتعلَّموا الدرس البليغ: هذه الأُمة لن تُحقِّق النصر ما لم تلتزم بأوامر نبيِّها وقائدها!
فإن كانتْ غزوة أُحُد قد انتهتْ فإنَّ مهمة الرُّماة الذين يحفظون ظهور المسلمين لم تنتهِ بعد، فطوبى للمُدافعين عن هذا الدين كل في مجاله، طوبى للقابضين على الجمر رافضي الانحناء والتلوُّن، كلما وهنوا قليلاً تعزّوا بصوت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُنادي فيهم: لا تبرحوا أماكنكم!
فلا تبرحوا أماكنكم!
الأمهات اللواتي يُربين أولادهن على الصلاة والصيام والأخلاق، أنتنَّ تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!
الآباء الذين يسألون أولادهم عن جزء عمَّ كما يسألونهم عن علاماتهم المدرسية، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المُدرِّسون الذين يُؤمنون أنَّ هذا الجيل إذا تربَّى جيداً يُمكن أن يخرج منه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي مرة أخرى، أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المُوظفون الذين يُؤدون أعمالهم بمهنية وضمير، ويُراقبون الله قبل مدرائهم أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
المهندسون الذين يُشيِّدون الجسور ويشقون الطُرُق دون غش واحتيال وصفقات مشبوهة أنتم تحمون ظهورنا فلا تبرحوا أماكنكم!
فتيات الحجاب والعفة اللواتي يُربين أنفسهن استعداداً لتربية أولادهن أنتن تحمين ظهورنا فلا تبرحن أماكنكن!
شباب صلاة الفجر، ومجالس الحديث، ودُور القرآن، أنتم ترسانة الإسلام الأفتك والأقوى، فلا تبرحوا أماكنكم!
كل واحد فينا لو تأمَّل موضع قدميه لاكتشف أنه جندي لأجل هذا الدين، وأنه لو حارب بشراسة وأمانة فإنه سيسد ثغراً هاماً، ويدفع خطراً عظيماً، كل واحد منا في مكان وضعه الله فيه، وألقى على كتفه مسؤولية وأمانة، فلا تبرحوا أماكنكم!
أدهم شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ١٧
إنما أنا شافع!
كانتْ "بريرة" عبدةً مملوكة لأُناسٍ من الأنصار، وكان لها زوج اسمه مغيث، واشتاقتْ نفس بريرة للحرية فكاتبتْ أسيادها لأجل إعتاقها، وبعد أن تمَّتْ المُكاتبة، وسدَّدتْ بريرة ثمن حريتها، كان أول قرار اتخذته أن تُفارق زوجها مغيثاً! فالشرعُ يُعطي الأَمَة خيار أن تبقى مع زوجها أو تُفارقه إن هي تحرَّرتْ وبقيَ هو عبداً، وقد اختارتْ بريرة أن يكون فِراقاً!
وكان مغيث يُحبها حُباً جماً، ويمشي خلفها في طرقات المدينة يستعطفها أن ترجع إليه فلا تلتفتُ له!
وكان النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يسير في الطريق رفقة عمه العباس فرآهما على هذه الحال، فقال لعمِّه: يا عباس ألا تعجبُ من حُب مغيثٍ بَريرة ومن بُغض بريرة مغيثاً؟
وعندما يئِس مغيث من عودة بريرة إليه قصدَ النبي صلى الله عليه وسلم ليُكلِّمها أن ترجع إليه، فأرسل النبيُّ صلى الله عليه وسلم في طلب بريرة وقال لها: يا بريرة لو راجعته فإنه زوجكِ وأبو ولدكِ
فقالت له: يا رسول الله تأمرني؟
فقال: إنما أنا شافع
فقالت: لا حاجة لي فيه!
من ناحية دينية فإن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم هو نبي هذه الأمة، ومن ناحية سياسية فإنه رئيس الدولة، ورغم هاتين المكانتين الساميتين لا يردُّ عبداً مملوكاً طلب منه خدمة! فهل مشينا نحن في حاجة ضعفاء المسلمين وفقرائهم أم تذرَّعنا بانشغالنا تارة، وبأنهم ليسوا على قدر مقامنا تارةً أخرى، ناسين أو مُتناسين أن كلنا لآدم وآدم من تراب!
وانظُرْ لأدب بريرة لو أمرها النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن ترجع إلى مغيث فإنها كانت سترجع رغم إنَّ رجوعها على غير هواها، فهل قدَّمنا شرع الله وأوامر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم على أهوائنا ومشاعرنا ورغباتنا، هل فعلنا الحلال الصعب على النفس، وتركنا الحرام الذي نميل إليه بنزعتنا الإنسانية لا لسببٍ سوى أن الله ورسوله أرادا أن نفعل ففعلنا وأن نترك فتركنا؟!
أنتَ مأجور على سعيك للإصلاح بين الناس ولو لم يتم الصلح، نحن لن نُحاسَب على النتائج إنما سنُحاسَب على ما فعلناه، ثواباً للخير ووِزراً للشر بغض النظر أثمر الخير أم لا، وآذى الشر أم لا، فلا يقُلْ لك الشيطان لا تمشِ في الصُّلح بين فلان وفلان لأنهما لن يقبلا وساطتك! ما ضرَّك إن لم يقبلا، لا تأخذ الأمر على محمل شخصي، هذا نبيُّ الأُمَّة لم تقبل امرأة كانت بالأمس مملوكة شفاعته، فلم يغضب ولم يحمل عليها!
هذا الدين كرَّم النساء، واحترم رغبات قلوبهنَّ، امرأة لا تُريد رجلاً فلم يُجبرها النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عليه، فعندما ترفضُ ابنتك عريساً فلا تُجبرها عليه، لأنَّ في هذا ظلم لها وله! وفيه عدم حفظ أمانة فالله سبحانه وضع ابنتك عندك أمانة وهو ينظر إليك ما تفعل بهذه الأمانة، فالله الله في قلوب النساء!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ١٨
أوَمُخرِجِيَّ هُمْ؟!
كانت الارضُ غارقةً بالضلال حتى أخمص قدميها، اللهُ يخلقُ ويُعبدُ غيره، ويرزقُ ويُشكرُ سواه، أعراضٌ تُنتهك، وبناتٌ تُوْأَدُ، وأُناسٌ يُباعون في الأسواق! ثم شاء الرحيم أن يتلطَّفَ بالبشرية!
على مرمى سهم من الكعبة التي تعجُّ بالأصنام، كان هناك رجل وحيد في غار حراء يتأمل السماوات والأرض، و يَعرفُ أنَّ دينَ قريشٍ باطل، و أنّ الله أجلُّ وأعلى من أن يرضى ديناً كدينها! كان مُهيَّأً بإتقان ليستلم لواء البشرية و يُغيِّر وجه العالم، ثم حانت اللحظة، وأُوقِدتْ أول شمعة في ظُلمة الأرض "إقرأْ"!
ويا لهول الوحي، ويا لرهبة الموقف! وينزلُ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى بيته مُرتجفاً يقول: دثِّروني، دثِّروني!
وعند خديجه المرأة التي لا يُوجد منها في تاريخ البشرية إلا نسخة واحدة، يتلقَّى الحبيبُ أولَ سلوى! ضمَّته إلى صدرها، وقالتْ له بقلبها على هيئة كلمات: واللهِ ما يخزيك الله ابداً، إنك لتصِلُ الرَّحم، وتصدُقُ الحديث، وتحملُ الكلَّ، وتكسبُ المعدوم وتُقري الضيفَ، وتُعين على نوائب الحق!
ثم أخذته إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، وكان رجلاً طاعناً في السِّن والحكمة، عالِماً بالتوارة و إلانجيل، حنيفاً على مِلَّةِ إبراهيم عليه السلام، وقالتْ له اسمع من ابن اخيك!
فلما حدّثه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بما كان بينه وبين جبريل، أخبره ورقة أن هذا هو الوحي الذي كان يأتي الأنبياء من قبله، وأنه سيكون النبيَّ لهذه الأمة! ثم قال له قولة الحكيم الذي يعرفُ سُنَّة الله في الناس، وصراع الحق و الباطل على مرَّ التاريخ: ليتني فيها جذعاً، ليتني أكونُ حياً إذ يُخرجكَ قومُكَ!
فيسأله النبيُّ صلى الله عليه وسلم بدهشة: أوَمُخرِجيَّ هُمْ؟!
فقال له: نعم، لم يأتِ رجلٌ بمثلِ ما جئتَ به إلا عُوديَ!
وكأنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم يومها يسأل: لمَ سيُخرجونني؟ ما الذنبُ الذي اقترفتُه، وما الجريمة التي ارتكبتُها، أيُّ مالٍ أخذتُ، وأيُّ دمٍ سفكتُ حتى يُحال بيني وبين وطني!
ثم دارت الأيام، وأخبرتنا سيرته، أنه ما عُودِيَ إلا لأنه جاء بالحقِّ، والحقُّ أثقل على الطغاة من
الجبال!
ونحن اليوم بضعة منه، وبقية رسالته، وما تكالبتْ علينا الأمم إلا للحقِّ الذي معنا، وما أثقله عليهم!
فكلَّما ضاقتْ عليكم، كلَّما رأيتم البلاد تُحاصر، والصورايخ تهدِمُ البيوت وتحصدُ الأرواح، كلما رأيتم الإعلام قذراً يريدُ أن يُطفئ شمعتكم، ويُحرِّض عليكم، ويرميكم بِتُهمِ الإرهاب والرجعية والتخلُّف تعزُّوا بالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم!
تخيلوه نازلاً من غار حراء يرتجفُ من هول الوحي، مُحاصَراً في شِعب أبي طالب، مرجوماً في الطائف، ممنوعاً من دخول مكة، مُتآمراً عليه ليُقتل ويتفرق دمه بين القبائل، مُطارَداً يوم الهجرة، مَاسحاً الدم عن وجهه يوم أُحد، شاكياً سُمَّاً دسَّته له امرأة يهودية، كم تعبَ ليكون لكم دين، فعُضُّوا عليه بالنواجذ!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
"أنا مسلمٌ؛ لم يقرأ القرآن قط".
هذا ما تبادرَ لذهني حينَ انتهيتُ من الكتابِ..
سأجزِّئ رأيي هاهنا في بضعِ جزئيات:-
الريفيو 1:-
كنتُ متشوقًا في بادئ الأمر؛ وقلتُ: "كيفَ كتبَ الدكتور كل هذا الكتاب في مدةٍ قصيرة؟"، خفتُ الحسدَ، ولكنني ظللتُ فترة ليستْ بالقليلةِ في دهشةٍ، تزدادُ بمعدلٍ طرديٍّ كلما استكملتُ في الكتابِ قراءةً.
ولكن لا أخفيكم؛ كنتُ متأكدًا أني سأجدُ رسائلي في الآيات التي أردتها فقط، نعم؛ أنا أحب بعضَ الآيات بشدة؛ فكنت أحاولُ أن أسرعَ بعيناي حتى أصلَ إلى هناك، إلى نسختي، التي دخلتُ الكتابَ باحثًا عنها، بينَ تلكَ الكلماتِ المغمورةِ بأحرفِ القرآن الكريم؛ إلا أنني لم أجدها؛ أعني أنني لم أجدْ ما أردتُ إيجاده فحسب؛ بل أصبحت لي آياتٌ جديدةٌ أحبها، كثيرة، أكثر مما يُتوقع، لما رأيتهُ في الكتاب.
إنه كتابٌ جعلني أحب آياتٍ لا يُمكن أن يُحبها إنسان، لقد أحببتُ آياتِ العذاب، فضلًا عن تلك الخاصة بالرحمةِ والتوبةِ والقصص وغيرها.
الريفيو 2:-
إن قراءةَ العديد من الكتبِ له آثارٌ سلبيةٌ وإيجابية.
الإيجابي في الأمر أنّ الكتابَ الذي بين يديكَ إن كان قيِّمًا، ستقدرهُ حق قدره، فقد رأيت منافسيهِ على الساحة وعلمتَ ما بُذل فيه.
لذلكَ قد قارنَ عقلي هذا الكتابَ ببعضِ الكتبِ التي كُتبت في تدبر القرآن، كُتب ما كُتب منها باعتراف من صاحبها أنه مجرد تدبر، ومنها ما كتب بافتراءِ أنه تفسيرٌ للقرآن.
إلا أنني أعلمُ الفارق، وبدأتُ بالمقارنة.
مع أول كتاب في السلسلةِ قد فُضّل على سائر كتب التدبرِ من الجمهور، هُدم في عقلي أمام هذا الكتاب، فوجدتُ أن متابعتي في المقارنة سيكون من الخزيِ أن تستمر.
وكالعادة؛ يحتل المقدمة كتابٌ آخر للدكتور العمري.
أما السلبية فكانتْ تتلخَّصُ في أن أسلوبَ المقارنة يجعل عقلي ليسَ صافيًا كفاية للتدبر في الكتاب، وقلبي ليسَ خاليًا تمامًا ليتمكن منه، فلم أصلْ للذةِ التي يصلُ إليها رجلٌ سافرَ لأولِ مرة خارجَ قريتهِ في القطار، وكانت لذتي قليلة جدًا، بلذةِ رجلٍ جابَ أرجاءَ العالمِ، فيركبُ الطائرة مستحقرًا.
ليتني كنت أملكُ تلكَ اللذة الخاصة بفتى يقرأُ أولَ مرةٍ، فصادفهُ هذا الكتاب..
الريفيو 3:-
أحدُ الأشياء التي يرثى القلبُ لها وأعدها هُجنةً بُلينا بها جميعًا هي أننا لم نقدر القرآن حقَّ قدره..
نسخةٌ شخصية، لماذا لم نفكر فيه هكذا؟
دائمًا ما كنا نرى القرآن برؤى مختلفة، أنه دستور السماء، للجميع. أو أنه فيه خبر من قبلكم ومن بعدكم - كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيضًا للجميع.
لماذا لم نفكر أنه لكَ أنت؟ وليسَ لغيرك؟
لماذا لم نرَ مرةً أنه مشفرٌ بشفرةٍ لكل إنسانٍ فينا، كل رجلٍ يفهمُ آية بشكلٍ معينٍ ولا يفهمها أحدٌ غيرهُ مثله، وكلهم صحيحٌ بشكل نسبي يتوافق مع ما يحدث لهذا الإنسان، وكلهم ينتهي بهدفٍ واحدٍ، مساعدةُ قلبكَ..
كانَ هديةً عظيمةً من د. أحمد خيري العمري
الريفيو 4:-
هناك شيئان يجعلان العقل الطفوليّ يشيب. أولهما أن هذا الكتاب كتب في مدة وجيزة جدًا؛ ومعلوم عند القرّاء أن سرعة إخراج الكتاب للعامة دليل على ضعف موروده، ولكن هذا الكتاب خارجٌ عن المقاييس تمامًا.
وثانيهما أنه عن القرءان الكريم.
أن تكتب كتابًا يحتل القمة أمر صعب، وأن تكتب كتابا في تدبر القرآن أمر صعب؛ وأن تكتب كتابًا ذا حجم كبير في فترة قصيرة أمر صعب؛ فكيف بجمع ما سبق في عملٍ واحد؟
إن تخيل هذا الشيء ورؤيته يحدث على أرض الواقع يورث في قلبي صقيعًا شديدًا؛ ثم ابتسامة فخر لأنني لم أختر كاتبي المفضّل من فراغ.
كل آرائي - وإن اختلفت - تتمحور حولَ شيءٍ واحد، أنني أعترفُ بعدم قرائتي للقرآن طوالَ ال20 سنة التي حييتُها على هذهِ الأرض.
اليوم، والآن، سأبدأُ بقراءةِ القرآن، لأولِ مرةٍ، كرجلٍ مُسلمٍ بحقٍّ.
#القرآن_نسخة_شخصية
مراجعة
على منهاج النُّبُوَّة ٢٤
اِعلَمْ أبا مسعود!
جاءَ بشريعةٍ مُتكاملة، وأرسى قوانين كثيرة، غير أنه كان يُريدُ من هذه الأُمَّة أن تعبد الله كأنها تراه، أن تفعل الخير طمعاً في المثوبة، وأن تترك الإثم خوفاً من الله لا خوفاً من الحدِّ أو القانون. وما يُسمِّيه علماء السلوك الاجتماعي اليوم "بالانضباط الذاتي" هو ما أخبرنا عنه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قبل ألف وأربعمئة سنة مُجيباً جبريل على سؤاله:
ما الإحسان؟ فقال له: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك!
يُحدِّثنا أبو مسعود البدري يقول: كنتُ أضرِبُ غلاماً لي بالسوط، فسمعتُ صوتاً خلفي: اِعلَمْ أبا مسعود! فلم أفهم الصوت من الغضب!
فلما دنا مني فإذا هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فألقيتُ السَّوط من يدي!
فقال لي: اِعلَمْ أبا مسعود أنَّ الله أقدرَ عليكَ منكَ على هذا الغلام!
فقلتُ: واللهِ لا أضربُ مملوكاً بعده أبداً، وهو حُرٌّ لوجه الله
فقال: أما لو لم تفعل لمسَّتكَ النار!
ثمّة أشياء لا يُحاسِبُ عليها القانون، ولا تُعتبرُ في عُرف المحاكم لا جرائمَ ولا جُنَحاً، ولكن الله يرى، والملائكة تكتبُ، والمحكمة غداً، حين تُنشرُ الكتب التي لا تُغادر صغيرة ولا كبيرة!
إنَّ الزوجة التي تُسمعها كلاماً لاذعاً كالسياط لن تشكوك إلى المحاكم، وإنْ فعلتْ فلن تجد من القُضاة آذاناً صاغية، ولكن الله سبحانه وتعالى سمع شكواها، ورأى جرح قلبها وهو أقدرُ عليكَ منكَ عليها!
إن العامل البسيط الذي لم تدفعْ له حقّه لن يجرؤ أن يقترب من مركز الشرطة ليشكوك، وربما إن تجرَّأ وفعل فستنجو منها وأنتَ المُتنفِّذ صاحب العلاقات والواسطات، ولكن الله سبحانه قد علِم مظلمته، وسمعَ دعواه، وهو يُجيبُ دعوة المظلوم الكافر على الظالم المُسلم لا حُباً بالكافر، ولا بُغضاً بالمسلم، ولكن حُباً بالعدل وبُغضاً بالظلم! فما بالك لو كان المظلوم مُسلماً، فسجدَ ثم قال: اللهم إني مغلوب فانتصر! دعاء نوح عليه السلام الذي يوم استجاب الله له أغرقَ الأرض كلها نصرةً له!
أولادك الذين ميَّزتَ بينهم في المعاملة في حياتك، وفي الميراث في مماتك، لن يرفع المظلوم منهم دعوى سوء مُعاملة، محاكم البشر لم تُنشأ لهذه القضايا، والميراث الذي جعلته عقد بيع وشراء لِتحرمَ ولداً وتُعطيَ آخر تعترف به السجلات العقارية، ولكن تذكر أنه ليس المهم ما تكتبه السجلات العقارية وإنما ما تكتبه الملائكة!
مما يُشاهد في الحياة عَياناً أن الأقوياء إذا تخاصموا أركنهم الله إلى الأسباب، وحظُّ كل واحد منهم من النصر مقدار ما أخذ من السبب، ولكن حين يظلمُ القويُّ ضعيفاً لن يموت القوي قبل أن يقتصَّ الله تعالى للضعيف منه، فإياك أن تخاصم وتظلم هؤلاء الذين ليس لهم إلا الله!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٢٣
تعلَّمْ لي كتاب يهود!
لمَّا قَدِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلم المدينةَ المنورة، جاء بنو النجَّار بِزَيد بن ثابت إليه، ولم يكُن يومها قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، فقالوا: يا رسول الله، هذا زيد بن ثابت، يحفظُ من القرآن ما يَسُرُّكَ! فاستقرأه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقرأ له سورة "ق"، فأُعجبَ به، ولاحظ فيه ذكاءً وقاداً، وعقلاً مُنيراً، فقال له: يا زيد، تعلَّمْ لي كتابَ يهود، فإني واللهِ ما آمنُ يهودَ على كتابي!
فما مضتْ خمسةَ عشر ليلة إلا وقد تعلَّمَ زيدٌ العبرية! فكان يكتبُ للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم إليهم، ويقرأ له رسائلهم إذا كتبوا إليه!
نحن لا نعيشُ وحدنا على ظهر هذا الكوكب، هناك شعوب وثقافات وحضارات ولغات أخرى نحتكُّ بها، ونتواصل معها، ومعرفة هذه الثقافات، وإتقان تلك اللغات ضرورة حياتية وليستْ ترفاً فكرياً! على أنَّ إتقان تلك اللغات لأجل التواصل وتسيير أمور الحياة شيء، وإتقانها لأجل التباهي شيء آخر!
اللغة الإنكليزية اليوم هي لغة العلوم، وبها يدرسُ أغلب طلابنا خصوصاً في الاختصاصات العلمية، وتحصيل هذه الاختصاصات واجب، وتعلُّم الإنكليزية واجب على الطلاب الدارسين لأنَّ ما لا يتمُّ الواجب إلا به فهو واجب!
هذا حدُّ الموضوع لا أكثر، أما أن يتحدَّثَ عربيٌّ مع عربيٍّ ويضعُ بين كل كلمتين عربيتين كلمة إنكليزية أو فرنسية من باب التباهي، فهذه فيها من المياعة، والانهزام الثقافي والحضاري، أكثر مما فيها من العلم! هذا في حالة كان المُتحدِّثان العربيان يُتقنان الإنكليزية، أما فعل هذا مع العوام ففيه شيء من الاستعلاء والغرور!
الذكاءات مُتعددة، هذه حقيقة تربوية لا جدال فيها، من الطلاب من لديه ذكاء لغوي رهيب ولكنه ضعيف في الرياضيات، ومنهم من هو عبقري في حل المسائل الفيزيائية، أو التعامل مع المعادلات الكيميائية، ولكنه لا يستطيع أن يحفظ فقرة من عشرة أسطر إلا بشق النفس! ومنهم من يجد حفظ عشر صفحات أيسر عليه من حساب مساحة مستطيل!
ودورُ الأهل والمدرسة معرفة المجال الذي يبرعُ فيه الطالب ثم توجيهه إليه، وهذا ما فعله النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالحرف، فعندما لاحظ ذكاء زيد بن ثابت اللّغوي طلب منه أن يتعلَّم العبرية فتعلَّمَها في وقتٍ قياسي! والشيء بالشيء يُذكر، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: كان زيد بن ثابت من أشد الناس ذكاءً، تعلَّمَ لسان يهود في خمس عشرة يوماً، وتعلَّم الفارسية من رسول كسرى في ثمانية عشر يوماً، وتعلَّم الحبشية والرومية والقبطية من خُدَّام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم!
أفهمُ جيداً رغبة الأهل في أن يكون أولادهم أطباء ومهندسين، ولكن على الأهل أن يفهموا أن إجبار الأولاد على اختصاصات لا يجدون أنفسهم فيها هي ظلمٌ لهم! ما أدراك لو أنه درس ما يميل إليه ويبرعُ فيه لفاقَ ألف مهندس وطبيب! تخيَّلوا لو أُجبر المتنبي أن يدرس الطب ويترك الشِّعر، حتماً لم تكن لتفرقَ كثيراً لو ازدادت البشرية طبيباً، ولكنها فاجعة لو خسرنا المتنبي!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٢٥
بل هو الرأي والحرب والمكيدة!
أرادَ المُسلمون القافلة، وأرادت قريش نجاتها، ولكن الله تعالى أرادَ الحربَ فكانت بدراً! كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يكره الحرب، ويقول: "لا تتمنوا لقاء العدو ولكن إذا لقيتموه فاثبتوا"! وها هو العدو قد جاء، ولحظة الثبات قد أتتْ!
أنزلَ الجيشَ مكاناً قد ارتآه، وفي غمرة الاستعداد لوصول جيش قريش، يأتيه الحَباب بن المنذر ويقول له: يا رسول الله هذا المنزل أنزلكَ الله إياه فليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟!
فقال له: بل هو الرأي والحرب والمكيدة
فقال: يا رسول الله، هذا ليس بمنزل حرب! فامضِ بالناس حتى تبلغَ آبار بدر، فاجعلها خلفكَ، ثم نُقاتل القوم، فنشربُ ولا يشربون!
فقال له: نِعْمَ الرأي!
فنهض، وسار بالناس، وجعل آبار بدر خلف الجيش، فقاتلوا، وشربوا، وعطشَتْ قريش!
كان الله سبحانه قادراً على أن يُوحيَ إليه أن ينزل في هذا المنزل دون الحاجة إلى رأي الحباب بن المنذر، ولكنه أراد أن يُعلِّمنا أنّ هذه الأمة تحتاج إلى كل طاقاتها كل في مجاله، ما عرفه الحباب بن المنذر بخبرته العسكرية غابَ عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لأنه لم يخُض الحروب من قبل. والحياة تجارب، والأيام مدرسة، فاحترم أنتَ خبرات الناس، فها هو النبي صلَّى الله عليه وسلَّم المُؤَيَّد بالوحي قد غابَ عنه أمر لم يَغِبْ عن رجل من المُسلمين خَبِرَ الحرب وعايشها، ليس في الأمر منقصة أن تسأل أهل الاختصاص، لا تُعالج نفسك كأنك أبقراط، الأطباء أعرف منك وربما قتلتَ نفسك جهلاً وقد كان الشفاء قاب قوسين منك أو أدنى، ولا تبنِ بيتك كأنك أعظم مهندس في العالم، ربما وقع السقف عليكَ، أنتَ خبير في مجالك، ولكن عليكَ أن تحترم خبرات الآخرين في مجالاتهم!
وانظُرْ لأدب النُّبوة، لا كِبَر ولا عناد، يسأله الحباب أهذا وحي نلزمه ولا نحيد عنه، أم هناك مجال للرأي، فيُخبره أن الأمر شورى وإن كان عنده رأي أصوب وخطة أفضل فليتفضّل! وعندما سمع رأيه لم يجد حرجاً أن يُنفِّذه! لم يقل ماذا سيقول الناس عني، رجلٌ أملى عليَّ رأيه وجعلني أُغيِّر مكان الجيش! على العكس تماماً أشادَ برأي الحباب على مرأى من أصحابه، وتحرَّك من فوره ليُنفِّذ رأيَ غيره عندما وجده أصوب من رأيه!
لا تكُن تنحاً، إذا تبيَّنَ لك رأي أصوب من رأيك فخُذْ به، وإذا عزمتَ على أمرٍ وجاءك من تعرفُ أنه يُريد الخير لك وأقنعك أن لا تفعل فلا تفعل، ما أهلكَ شيء الناس أكثر من التناحة والعناد!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٢٦
على رِسْلِكُما!
من أقواله العذبة، وكل ما قال عَذبْ: "رَحِمَ اللهُ امرءاً جبَّ الغيبة عن نفسه"! كان يعرفُ أن الإنسان نهاية المطاف سُمعة، وأنَّ الناس إنما تحكم بما تسمعُ وترى، أما النوايا فللهِ سبحانه!
تُحدِّثنا أُمنا صَفيّة بنت حُيي قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مُعتكفاً في المسجد، فأتيتُ أزوره ليلاً، فحدثتُه، ثم قمتُ لأنصرف، فقام معي ليُوصلني، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أسرعا. فقال لهما: على رِسْلِكُما هذه صفية بنت حُيي!
فقالا: سبحان الله يا رسول الله! يُريدان أن يقولا وهل أنتَ موضع شك يا رسول الله!
فقال: إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم، وإني خشيتُ أن يقذفَ في قلوبكما سوءاً!
موقفان عظيمان تأمَّلْهما:
الأول: المدينة أمان، ولو عادتْ صفية وحدها في الليل ما تعرَّضَ لها أحد، ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقطع اعتكافه، ويقوم ليُوصلها إلى بيتها، هو يعرف أنها تعرف الطريق وإنما أراد أن يقول لها: أنا أهتمُّ! أحياناً ليس عليكَ أن تقول لها أُحبكِ، ثمة مواقف صغيرة، تفاصيل حياتية عادية أبلغ من ألف كلمة أحبكِ! هل جربتَ أن تضع لقمةً في فمها، أو تُمسك يدها وأنتَ تعبر بها الشارع، أو تخلع سترتك وتضعها على كتفيها في ليلة باردة، ثمة أشياء لا تُكلفك الكثير، ولكنها تعني لها كثيراً!
الثاني: رغم أنه فوق الشكوك، وأنه نقي كماء زمزم، وتقي كما لم يسبق لإنسان أن يكون بتقواه، إلا أنه يستوقف الرجلين ويُخبرهما أنَّ هذه المرأة التي معه هي زوجته صفية! أراد أن يُعلِّمنا أن الإنسان لا يكفي أن لا يفعل الحرام وإنما لا يضع نفسه في موقف يظنُّ منه الناس أنه واقع في الحرام!
لا تلقِ نفسك في مواطن الشُّبُهات كي لا يرميكَ الناس بسوء الظنِّ، طبيعة النفس البشرية أنها تحمل المواقف البشرية على الظنِّ السيء، فعلى سبيل المثال لا تجلس على مائدة يُدار عليها الخمر ولو كنت تُريد أن تنصح، لأن الذي يراك لن يشك لحظة أنك لا تشرب معهم! للنصح وقته ومجاله.
بالمقابل تخلَّ عن ظنك السيء بالناس، من تكلَّم مع فتاة هي ليست بالضرورة حبيبته، والرواية التي ألَّفتها في رأسك قد يكون الشيطان هو الذي أملاها عليك!
كل شخص رأيته يُحادِثُ عاصياً ليس بالضرورة مثله!
الحياة أحياناً كالسوق قد يجتمع فيه اثنان لا علاقة لهما ببعضهما، ودكان البنادق يُشترى منه بنادق للصيد وبنادق للقتل فلا تدخل في نوايا الناس!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
"ولا يلتفت منكم أحد"
الإلتفات إلى الوراء
المعارك الجانبية
التفكير في ما يقال وراء ظهرك
الحنين إلى الماضي
إعطاء الأشياء قيمة أكبر
كلّها تعرقل خطاك وتؤثر في سرعتك
تستنزف قلبك وعقلك وروحك
وتستهلك جهدك وعمرك
لا تلتفت لأنك في المقدمة
وأمامك أهداف عظمى لا يسعها الانتظار
.
#اقتباس
#أدهم_شرقاوي
❌ يا جماعة ؛ بخصوص المنشور الأخير ❌
- المعتزلة فرقة ضالة مُنتسبة إلى الإسلام ، سميت بذلك نسبةً لواصل بن عطاء حين اختلف مع الحسن البصري في حلقته في المسجد عن كون الفاسق بمنزلة بين المؤمن والكافر ، ثم ترك الحلقة وقام ، فقال الحسن : اعتزلنا واصل .
- ولا نكفّرهم على قول الجمهور ، وبعضهم يكفرهم ، وهم يقدّمون العقل على النقل .
- وينفون صفات الله كلها ، لأنهم قالوا : إن كانت الصفات قديمة ، للزم أن يكون هناك قديم غير الله ، ولو شاركته الصفات في القدم لشاركته في الألوهية ، فنفوها كلها .
- وقالوا بأن العباد هم الخالقون لأفعالهم ، ليس لقدر الله عليهم سلطان .
- وأن مرتكب الكبيرة إن مات ولم يتب فهو في النار خالداً مخلداً فيها أبداً .
- وقالوا بأن القرآن مخلوق ، ومعلوم أن القرآن من علم الله ، فلو كان مخلوقاً للزم أن يكون الله لا يعلم ثم خلق علمه ، وهذا باطل .
- ونفوا رؤية الله في الآخرة .
- وأنكروا شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام لأمته يوم القيامة .
- وأما الزيدية ؛ فمذهب من مذاهب الشيعة ، وهم أقرب الفرق لأهل السنة ، يرون أفضلية علي بالولاية على أبي بكر وعمر وعثمان ولا يكفرونهم ، ويرون جواز ولاية المفضول عند وجود الفاضل ، فيقرون بصحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان خلافاً لبقية طوائف الشيعة .
- وبس .
#ماجد_حسان_شمسي_باشا
على منهاج النُّبُوَّة ٣٠
أخطأ من شدة الفرح!
لطالما كانت القصصُ والأمثالُ مطيَّةً لتقريب المعاني، ولأنها كذلك فقد كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُكثر أن يُحدِّثَ بها أصحابه، فأرادَ مرةً أن يُخبرهم عن حبِّ اللهِ سبحانه للتائب وفرحه بتوبته، فأخبرهم أنَّ الله أفرح بتوبة عبده من رجل كان في صحراء، وكانت معه ناقته التي عليها طعامه وشرابه ومتاعه، ثم لما اشتدَّ الحرُّ، أوى الرَّجُلُ إلى شجرة يتفيَّأ ظلالها وينام قليلاً، ولكنه نسيَ أن يُحكم ربطها، فلما نام شردتْ الناقة، فلما استيقظ ولم يجِدْها أخذ يبحثُ عنها يميناً وشمالاً ولكن دون جدوى، ولما يئِس أن يجدها قال في نفسه: أرجعُ إلى المكان الذي كنتُ فيه فأنام حتى أموت! فلما نام ما شاء الله له أن ينام، استيقظ فإذا ناقته عند رأسه، فقال من شدة الفرح: "اللهم أنتَ عبدي وأنا ربك"!
وجعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: أخطأ من شدة الفرح!
اُنظُرْ لحكمة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في ضرب المثل، لقد اختارَ قصةً من بيئة القوم الذين يُحدثهم، فهم يعيشون في الصحراء، ويُسافرون قاطعي الفيافي والقفار، ويعلمون ما تعني الناقة التي عليها الزاد والماء، ويعلمون أن فقدها يعني الموت المحتَّم، ويعلمون بالتالي مقدار فرح المسافر بالعثور على ناقته بعد فقدها، لهذا وصلتْ الفكرة التي أراد أن يُوصلها إليهم بيُسر وسلاسة.
لهذا على الدُّعاة والمُربِّين أن يُخاطبوا الناس بحسب واقعهم، وبالشيء الذي يفهمون به، فالمثل الذي يُعطى لطلاب الجامعات في محاضرة قد لا يناسب العَوَام في المساجد، والقصة التي تُقال للمرأة في الأربعين مثلاً لا تُقال للطفلة في العاشرة، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "نحن معاشر الأنبياء أُمرنا أن نُخاطب الناس على قدر عقولهم"! وعقولهم هذه تشمل لُغاتهم، وعاداتهم وتقاليدهم، وواقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي!
أخطأ من شدة الفرح!
إن قول الرجل لا شك أنه في ظاهره كفرٌ بواح! ولكن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أراد لنا أن نلتمس العُذر للناس في بعض المواقف! يمرُّ الإنسان بأطوار نفسية قد يفقدُ فيها زمام عقله، فلا يعود ذلك الشخص الذي نعرفه، فالمُصيبة أحياناً تُفقدُ الإنسان صوابه، وربما قال فيها كلاماً جارِحاً لمن حوله، فلا يجب مُؤاخذته خصوصاً إذا كنا نعرف أنَّ هذه ليستْ حاله، وأنه في ظروفٍ طبيعيةٍ ما كان له أن يقول ما قال!
والفرح أحياناً كالمصائب يُفقدُ الإنسان صوابه، فتجده في حالة من عدم الاتزان، وقد يقول ما لم يكن له أن يقوله في حالة استقرار نفسي! فقدِّروا ظُروف الناس واعلموا أن النفس البشرية أطوار، جبال ووِهاد، مرةً في الأعلى ومرةً في الأسفل، وكما قال مصطفى محمود: نحن لا نملكُ أكثر من أن نُهوِّن على بعضنا الطريق!
بالمُقابل علينا أن نُحاول أن نملك زمام أنفسنا ما استطعنا حين نكون في حالة نفسية استثنائية، ومن أجمل ما قال الأوائل:
لا تقطع وعداً وأنتَ سعيد، ولا ترُدْ وأنتَ غاضب، ولا تُقرر وأنت حزين!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
- بعد ما الكلّ حكى عن يوم المرأة العالمي وخلّص ؛ هلأ بيجي دوري أنا 😌
💜 سلمى بنت الجزري ، رمزُ المرأة العالمي 💜
- هي بنت الإمام ابن الجزري إمام المقرئين وحجة الإقراء في العالم ، عرّفنا عليها أبوها الإمام ابن الجزري ، وذكرها في كتابه ( غاية النهاية في طبقت القرّاء ) وعدّها منهم ، فقال :-
- ( ابنتي سلمى ، أمُّ الخير ، نفع الله بها ووفقها لما فيه صلاحها دنيا وأخرى ، شرعتْ في حفظ القرآن سنة ثلاث عشرة ، وحفظت مقدمة التجويد ( أي متن الجزريّة ) وعرضتها عليّ ، ومقدمة النحو ( متن الجوهرة التي نظمها في علم النحو ) .
- ثم حفظتْ طيبة النشر الألفية ( التي نظمها في القراءات العشر الكبرى ) ، وحفظت القرآنَ وعرضته حفظاً بالقراءات العشر وأكملته في 12/3/832 هــ ، قراءةً صحيحةً مجودةً ، مشتملةً على جميعِ وجوه القراءات ، بحيث وصلتْ في الاستحضارِ إلى غايةٍ لا يشاركها أحدٌ في وقتها .
- وتعلمتِ العروض ( وهو علمُ الأوزانِ الشعرية ) والعربية ( أي النحو ) ، وكتبتِ الخطَّ الجيد ، ونظمتْ بالعربي والفارسي ( الإيرانيّة ، محلّ إقامة والدها ) ، هذا ، وهي في ازدياد إن شاء الله تعالى .
- وقرأتْ بنفسها الحديثَ ، وسمعتْ مني وعليّ كثيراً بحيث صار لها فيه أهليّة وافرة ، فالله يسعدها ويوفقها لخير في الدنيا والآخرة ) انتهى
- قلتُ : وكان لسلمى أُستاذٌ تدرسُ عليه ، هو الطاهر بن عربشَاه ، أخصُّ تلاميذ ابن الجزري وخليفته من بَعده بشهادة ابن الجزري نفسه .
- قالت عنه سلمى : ( وكان من أخصِّ الناس وأعزّهم عند الوالد ، واعتنى به أشدَّ عنايةً حتى صار مُعلِّمي ، ومنهُ تعلمتُ العروضَ ، وحفظتُ عليه " الطيبة " ، وكنتُ أعرضُ عليه القراءاتِ أولاً ثم على الوالد ) ا.هـ
- وبس .
ومجرد فضفضة .. وخلوا كلامي للــــزكرى ،،
د. ماجد بن حسّان شمسي باشا ،،
#ماجد_حسان_شمسي_باشا
على منهاج النُّبُوَّة ٣١
كان زكريا عليه السلام نجاراً!
قالَ مرةً لأصحابه: ما بعثَ اللهُ نبياً إلا رعى الغنم
فقالوا: وأنتَ يا رسول الله؟
قال: نعم، كنتُ أرعاها على قراريط/أُجرة لأهل مكة!
وكان يُحِبُّ أن يكون للمرءِ مهنة يكتسب منها قُوتَه، فقال: ما أكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإنَّ نبيَّ اللهِ داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده!
وحدثهم مرةً فقال: كان زكريا عليه السلام نجاراً!
ويقول عُمر بن الخطاب: أرى الرجل فيُعجبني، فأسأل هل له مهنة؟ فإن قيل لا، سقط من عيني!
وقال الأوائل: ليس هناك مهنة حقيرة، وإنما هناك أُناس حقيرون!
إنّ من دلائل عظمة الله، أنه أحاجَ الناسَ للناسِ، واستغنى هو عنهم جميعاً! الطبيب يحتاج النجار، والحداد يحتاج المزارع، والتاجر يحتاج العتَّال، ولا يستغني أحد عن الخبَّاز!
الفكرة أن كل عملٍ يُدرُّ دخلاً حلالاً هو عمل نبيل، وصاحبه يستحقُّ الاحترام أن أغنى نفسه أن يكون عالةً على غيره!
لا شيء في أن يسعى المرءُ إلى وظيفة مرموقة، وليس على المرءِ حرجٌ إذا أراد من ابنه أن يكون الطبيب لا الخباز، والمُهندس لا الإسكافي، ولكن العيب أن يحتقر الخباز والإسكافي بعد أن صار طبيباً!
المهن في الأصل هي لكسب القوت وتأمين المعيشة وليس للتفاضل بين الناس، صحيح أن بعض المهن لها "برستيج" اجتماعي أكثر من غيرها، والناس ينظرون إلى أصحابها بعين إجلالٍ لا ينظرون فيها إلى غيرها، ولكن من الفهم السقيم للحياة، قياس الناس بحسب مِهنهم، وجعل قيمتهم بقيمة المناصب التي يشغلونها، والمال الذي يَجنونه!
الأنبياء كلهم عملوا في رعي الغنم كما في الحديث، وداود عليه السلام كان يأكل من مهنةٍ له، وزكريا عليه السلام كان نجاراً، فلا تخجل بمهنتك، ما دمتَ تكسبُ رغيفك بالحلال فارفع رأسكَ، وافخرْ بنفسك، ثيابك المُتَّسخة ليستْ عيباً، العيبُ أن تكون ثيابك أنيقة وقلبك مُتسخ ومالك حرام!
الأيدي المُمتلئة بالنُّدوب لكثرة ما تتعرضُ له من ضربات أثناء العمل هي شهادة في العصامية والاعتماد على الذات بعد الله، والأيدي المُتسخة بالسواد والشحم والغبار صك براءة من البطالة والكسل!
سر الحياة ليس في أي مهنة تعمل، وإنما أن تكون مع الله، كما أمر وكما أراد في أية مهنة عملتَ، في الحياة نَجد الطبيب المخلص والنجار الغشاش، ونَجد المُهندس المُرتشي وعامل البلدية الشريف، والله لا يُحاسب على المهنة وإنما على طريقة العمل بها!
أحقرُ الناس من إذا وصلوا إلى الجامعات خجِلوا بمهن آبائهم المتواضعة، بدل أن يفخروا برجالٍ بمهنٍ متواضعة استطاعوا أن يُوصلوهم إلى الجامعات! قرأتُ منذ أيامٍ عن فتاةٍ تخرجتْ من الجامعة، فطلبَ منها أبوها أن لا تذكر لأحدٍ أنه يعمل في البلدية كناساً للطريق، فلبستْ ثوب تخرجها، وذهبتْ إلى مكان عمله، وطلبتْ من أحدهم أن يُصورها وهي تطبعُ على رأسه قُبلة، ثم نشرت الصورة في مواقع التواصل، وكتبت هذا الرجل العظيم أبي!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٣٢
حتى تستكملَ أجلها !
نادى يوماً على أصحابه فقال : هلُمُّوا إليَّ.
فأقبلوا إليه فجلسوا. فقال: "هذا جبريل رسول ربِّ العالمين، روح القدس نفثَ في روعي أن نفساً لن تموتَ حتى تستكملَ أجلها، وتستوعبَ رزقها، فاتقوا الله، وأجمِلُوا في الطلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإنّ الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته"!
هنا بيت القصيد: حتى تستكملَ أجلها!
إني لمّا تابعتُ انتشار "فايروس كورونا"، ورأيتُ الهلع في نظرات الناس، ونبرات أصواتهم، ومضامين كلماتهم، قلتُ في نفسي: يحتاجُ الناس في هذه الظروف لمن يربِت على قلوبهم، ويُنزل لهم العقيدة التي يؤمنون بها على الواقع الذي يعيشونه، فقد سيطر الخوف، وانتشرت الشائعات، وتنبأ الإعلام!
إنّ الله سبحانه وتعالى قد كتب أعمارنا وأرزاقنا ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، فلن يموت إنسان قبل انقضاء العمر الذي كتبه له! تعالوا ننظر إلى الحروب المستعرة في هذا الكوكب، نجد في ميادينها الرجل الطاعن في السن قد نجا من آلاف القذائف، بينما نسمع عن طفل رضيع شرِقَ بحليب أمه ومات! الأول نجا من قصف الطائرات والمدافع ليشيخ لأن الله سبحانه قد كتبَ له عمراً عليه أن يعيشه رغماً عن كل شيء، والثاني مات في حضن أمه، أكثر الأماكن دفئاً وأماناً في هذا الكوكب، ذلك أن الله سبحانه قد قضى أن عمره عند هذا الحد! فاطمئنوا، لن يموت إنسان قبل أن يّؤدي مهمته التي خُلق لها، وقبل أن يعيش عمره الذي كتبه الله تعالى له!
الخوف الذي يصيبنا شيء طبيعي، ولا علاقة له بقلة الإيمان، نحن نخاف لأننا بشر، والمؤمن نهاية المطاف إنسان يخاف على نفسه وأحبته، ولكنه يُؤدِّبُ هذا الخوف بالرضى، ويُحلِّي مُرَّه بالإيمان أنّ ما شاء الله كان، فلا تستخفوا بمخاوف الناس، ولكن بالمقابل لا تبنوا سجناً من الخوف، تحبسون أنفسكم خلف جدراته، فإن الخوف والقلق لا يمنعان ألم الغد، وإنما يُفسدان متعة الحاضر!
كلُّ ما يصيب المسلم مع الرضى له فيه أجر، حتى الشوكة يُشاكها، وإن من رحمة الله بالمسلم أنه أحياناً يُطهّره في الدنيا ليُقدِمَه عليه نقياً طاهراً!
لا تُوزِّعوا أقدار اللهِ على الناس، الأمراض الفتاكة تصيب الناس جميعاً، فتحصد المسلم والكافر، الطائع والعاصي، والبَر والفاجر، وقد مات أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح في طاعون عمواس! مع التأكيد أنه من تمام العقيدة أن نعلم أنه قد يشترك الناس في سبب الموت ولكن شتان بين مصير المؤمن ومصير الكافر، فالعبرة ليست بسبب الموت، وإنما بما بعد ذلك !
الوقاية واجب، والإنسان مطالب بالحذر واتباع ارشادات الأطباء وأهل الاختصاص، كي لا يضُرّ نفسه وغيره، والإقبال على المهالك ليس من الإيمان في شيء، ولا من حُسْنِ التوكل، إنه من الحُمق والفهم الخاطىء للدين!
حفظنا الله وإياكم وجميع المسلمين.
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٣٥
ٱنظُروا لمن هو أسفلَ منكم!
إحدى مشاكلنا نحن البشر أن عيوننا فارغة، نُحصي ما نفقِدُ من النعم أكثر مما نشكرُ على ما أُعطينا، وننظرُ إلى ما في أيدي الآخرين أكثر مما ننظُر إلى ما في أيدينا! ولا ندري أنَّ النَّظر إلى ما في أيدي الآخرين يُفقدنا لذَّة الاستمتاع بما في أيدينا!
ولأن العُيون الفارغة مرضٌ عُضال، أرادَنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن لا نكون مرضى، فأعطانا العلاج يوم قال: "ٱنظروا لمن هو أسفلَ منكم، ولا تنظُروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم"!
قبل أن تنظُرَ إلى صاحب السيارة الفارهة، ٱنظُرْ إلى الشخص الذي بُتِرتْ أقدامه!
قبل أن تنظر إلى صاحب "الڤيلا" الفاخرة، ٱنظُرْ إلى المشرَّدين في الخِيام ينخرُ البرد عِظامهم!
قبل أن تنظر إلى ثروة الغني، ٱنظُرْ إلى كف الفقير الذي يتسوَّل ويستعطي الناس!
ثمَّ إنك لا ترى إلا جزءاً من الصورة، أنتَ ترى ما أُعطيَ الناس، ولكنك لا تدري شيئاً عما حُرموا منه!
ما أدراك أنَّ هذا الذي لديه الكثير من المال يفتقد الكثير من الأشياء التي لا تشتريها الأموال، ما أدراك أنه قد فقدَ أُمه، أو ضاع منه حُبَّ حياته، أم أنه مُبتلى بمرضٍ لا علاج له فيقف هو وثروته عاجِزَين، يتمنَّى لو أنه لا يملكُ هذا المال، مُقابل صحة تشعرُ بها وتتفيَّأ ظلالها وتراها قليلة!
ما أدراكِ أن هذه التي تخرجُ مع زوجها إلى مطاعم كثيرة، وتَرِين صورتها في المطارات والرحلات قد حُرِمتْ لذَّة الإنجاب، وأنها تتمنَّى لو كانتْ مكانكِ مسمَّرة في بيتها، المهم أن تسمع طفلاً صغيراً يقول لها "ماما"!
ما أدراكَ أنَّ هذا الذي يملكُ وظيفة مرموقة قد فقدَ أمه وهو صغير وأنه يتمنى لو كان مكانك وكنتَ مكانه فقط لتضُمَّهُ وتأخذه إلى صدرها!
ما أدراكِ أن وزن فلانة ليس كثرة أكل وإنما من علاج الكورتزون، وأن نحافة فلانة ليستْ رشاقة وإنما لأن مرضاً يأكلها من الداخل!
الأشياء ليست دائماً كما تبدو!
توقفوا عن النظر إلى ما في أيدي الآخرين، ٱنظُروا إلى ما في أيديكم، فإن النظر إلى نِعم الآخرين يدل على عين فارغة، ونفسية مريضة، وهو قبل كل هذا سوء أدب مع الله!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٣٦
لو سترتَه بثوبك!
جاءَ في الأثر أنَّ موسى عليه السَّلام لمَّا نزلَ ببني إسرائيل القحط والجدب، حثَّهم على التوبة والاستغفار، ثُمَّ خرجَ بهم إلى صلاة الاستسقاء، وطلبَ منهم أن لا يُصلي معه إلا تائب! فصلَّى ببني إسرائيل فلم ينزل المطر، فسأل موسى عليه السَّلام ربَّ العِزَّة عن ذلك، فأوحى الله سُبحانه إليه أنَّ بينكم رجلاً عاصياً لم يتُب بعد! فطلبَ موسى من بني إسرائيل أن يخرجَ من بينهم هذا العاصي كي لا يُحرموا المطر بسببه! وما هي إلا لحظاتٍ حتى انهمرَ المطرُ رغمَ أنه لم يخرج من بني إسرائيل أحد! فسأل موسى عن سبب المطر رغم بقاء العاصي بينهم، فأوحى الله سُبحانه إليه أنَّ العبدَ قد تابَ بين وبين ربه! فسأله موسى عن اسمه، فقال له الله تعالى: يا موسى سترته عاصياً، أأفضحه تائباً!
عندما زنى ماعِزٌ رضيَ الله عنه، مرَّ بصديقٍ له اسمه هُزال الأسلمي وحدَّثه بما كان منه، ولكن هُزالاً لم يعِظْه، ولم يحُثَّه على التوبة، بل أشار إليه أن ينطلق إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فيُخبره بالأمر! فأتى ماعِزٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم واعترفَ عنده بالزنا، فأمر عليه السَّلام برجمه، لأنَّ الأمر إذا وصلَ إلى الإمام سقطَ العفو، ولا بُدَّ من إقامةِ الحَدِّ! ثم إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لقِيَ هُزالاً الأسلمي بعد ذلك فقال له: لو سترْتَه بثوبك كان خيراً لك!
نعم وَضَعَ الإسلامُ حدوداً، وما من نظامٍ بشريٍّ قامَ يوماً إلا وفيه منظومة عقوبات تختلف من مجتمع إلى آخر، ولكن الإسلام العظيم حثَّ على التوبة والسِّتر عند ارتكاب المعاصي، فما دام الله سترَ على الإنسان فالأوْلى أن لا يذهب العاصي إلى الإمام ويطلبَ تنفيذ العقوبة! ولخَّص ابن تيمية هذا كله في جُملةٍ واحدةٍ حين قال: والأصلُ في الذنوبِ التوبة والاستغفار لا إقامة الحدود!
السِّترُ مبدأٌ من مبادئ الشريعة، كلُّ مُسلم مُطالب أن يسترَ على نفسه وعلى غيره، والنفسُ البشرية مفطورة على سترِ نفسها وفضحِ غيرها!
من تتبَّعَ عورات الناس تتبَّعَ الله عورته، ومن ستر غيره ستره الله، لأن الجزاء من جنس العمل!
كلنا مطرَّزون بالعُيوب ولولا رداء من السِّتر وضعه الله علينا لانفضحنا وما نظر إلينا الناس نظرة احترام أبداً!
وأجمل خُلُقٍ يعمل به العبد هو أن ينظُرَ إلى الخُلقِ الذي يُعامِل به الرَّبُّ سبحانه عباده، فيعاملهم مثله، وأن الله سِتير يُحبُّ السِّتر!
كل ذنبٍ لإنسانٍ سمعتَ عنه دعه يقف عندكَ، أنتَ أيضاً لك ذنوب وللناس ألْسُن، فاشترِ سِتركَ بسِتر الناس!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٣٨
كما يرزقُ الطير!
حجَّ عُمر بن الخطاب في سنةٍ من سنوات خلافته، فلقيَ أُناساً قد جاؤوا إلى الحجِّ بغيرِ زاد، وإذا هم يستعطون الناس، فسألهم: من أنتم؟
فقالوا: نحن المُتَوَكِّلون!
فقال لهم: بل أنتم المُتَّكِلون، إنما المُتوكل الذي يُلقي حبةً في الأرض، ويتوكَّل على الله!
يُخطئُ كثيرٌ من الناس في فهم التوكُّل على الله سبحانه، ويحسبون أنَّه ترك الأخذ بالأسباب، ناسين أو مُتناسين أن هذه الأسباب إنما هي واقعة في قَدَرِ الله، وأن الله سبحانه قد وضع لهذا الكون سُنناً ونواميس على المرء الأخذ بها ما استطاع، ثم بعد ذلك يضع يقينه على الله أنَّ هذه الأسباب لا تضرُّ ولا تنفع حتى يأذن الله سبحانه!
نعم نُؤمن أنَّ الله هو الشافي ولكن من الحماقة عدم قصد الأطباء وطلب العلاج!
ونُؤمن أن الله هو الرازق ولكن من الحماقة عدم الذهاب إلى العمل!
كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس يقيناً بالله، ولكنه في المُقابل كان أكثر الناس أخذاً بالأسباب، فيوم الهجرة اصطحبَ معه دليلاً يدُلُّه على الطريق إلى المدينة ولم يقُلْ أنا نبيٌّ وسوف أصل على أية حال!
ويوم أُحُد لبسَ دِرعين رغم أنه يُؤمن أن الأعمار بيدِ الله ولكنه أراد أن يُعلِّمنا ثقافة الأخذ بالأسباب!
وعندما كان يغزو كان يُورِّي في مسيره، بمعنى أنه إذا أراد أن يُحارب قوماً سلكَ طريقاً مُغايِراً حتى يُفاجِئ العدو، رغم أنه يُؤمن أن النصر من عندِ الله!
نعم علَّمنا النبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام أنَّ الله وحده هو الذي يُحيي ويُميتُ ويرزقُ ويشفي ويُعطي ويمنع، فقال: "لو أنكم تتوكَّلون على الله حقَّ توكُّله لرزقكم كما يرزقُ الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً"! ولكنه بالمُقابل علَّمنا أن الدُّنيا دار أسباب! فالطُّيور لا تبقى في أعشاشها تنتظرُ رزق الله تعالى لتملأ بطونها، وإنما تخرج مُبكرة، تبحث عن الحَبِّ الذي يسدُّ جوعها، فلا يقع كل عصفور إلا على ما قسمه الله تعالى له من الرِّزق!
من الفهم السقيم لبعض الناس أنهم ينتظرون المُعجزات دون بذل الأسباب! ويُحدثك أحدهم كيف شقَّ موسى عليه السَّلام البحر بعصاه، وكيف التقمَ الحوتُ يونس عليه السَّلام فلم يُصبْه أذىً، وكيف أُلقيَ إبراهيم عليه السَّلام في النار فكانتْ برداً وسلاماً! ينسى هؤلاء أنَّ المُعجزات هي أمرٌ خارقٌ للعادة، يخرقُ بها اللهُ نظام الكون الذي وضعه ليُعلِّمنا أنه لا يتركُ عباده، وأن هذه الأسباب إنما تحكمُ الناس ولا تحكمه جلَّ في عُلاه! وإلَّا فإن حاول أحدنا أن يشقَّ البحر بعصاه لقال عنه الناس مجنون! ولو ألقى نفسه في النار لماتَ منتحراً!
لا شيء أسوأ من وضع اليقين على الأسباب سوى ترك الأخذ بها!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٤١
أفلا كُنتم آذنتموني؟!
كان على عهدِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم امرأةٌ سوداء تُنظِّفُ المسجد… ثم ماتتْ، فكأنهم استصغروا أمرها فدفنوها ولم يُخبروا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم بأمرِها!
ثم إنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقدَها، فسأل عنها، فقالوا: ماتت يا رسول الله!
فقال: "أفلا كنتم آذنتموني، دُلوني على قبرها"!
فدَلُّوه، فصلَّى عليها، ثم قال: "إنَّ هذه القُبور مملوءة ظُلمة على أهلها، وإنَّ الله عزّ وجل يُنوِّرها بصلاتي عليهم"!
مما ٱبتُلينا به في هذه الأيام أنه إذا ماتَ لأحد الأثرياء والمُتنفِّذين وأصحاب المناصب قريب جاءَ الجميعُ إلى عزائه، وإذا ماتَ الإنسان البسيط كان الذين يمشون في جنازته يُعدُّون على الأصابع! أصبحَ الموتُ طقساً من طقوس الانتفاع!
يُروى أنه ماتتْ خادمة كبير القضاة، فجاء التجار والأعيان ووجهاء البلد يُعزُّونه بها… وعندما ماتَ كبيرُ القُضاة لم يمشِ في جنازتِه من هؤلاء أحد، فقد كانوا يُباركون لكبيرِ القُضاةِ الجديدِ منصبه!
الحُبُّ في هذا الدين عبادة، ومكانةُ الأشخاص في قلبكَ يجب أن تكون بحسب قُربهم من الله وبُعدهم عنه، لا بحسب ثرائهم ومناصبهم، فالمرأة التي كانت تُنظِّف المسجد لم يرفعْ قدرها عند النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غير عملها الصَّالح في خدمةِ دين الله، علينا أن نتوقَّف عن الاعتقادِ أنَّ قيمة الإنسان بما يملك، إنما المرءُ بقلبه، ما أدراك أنَّ هذا المُسِنُّ الذي يأتي لصلاةِ الفجرِ يتَّكِئُ على عكازه هو عند الله خير من أثرياء الدنيا كلهم، وأنه بطل وقوي، أقوى كثيراً من الشُّبانِ الذين يرفعون الأثقال في النوادي، ولا يستطيع أحدهم أن يرفعَ لحافه إذا ما نادى المُنادي: الصلاةُ خيرٌ من النوم!
من قالَ لكَ أنَّ الوزير أحبُّ إلى الله من كنَّاس الطريق!
وأنَّ المُمثلة الثرية والحَسناء أقرب إلى الله من عجوز تثني ركبتيها على سجادتها، ولسانها لا يكفّ عن ترداد: اللهم حُسن الخاتمة!
إنَّ قيمة الناس عندنا يجب أن تكون بمقدارِ صلاحِهم وخدمتِهم لدينِ الله، الثريُّ الصالحُ خيرٌ من الفقيرِ العاصي، والفقيرُ الصالحُ خيرٌ من الثريِّ العاصي!
ربحَ بيعُ صُهيبٍ لأنه تركَ مالَه لله!
وارتفعَ شأنُ بلال لأنه ردَّد تحت الصخرة أحدٌ أحد!
و"سلمان منا آل البيت" لأنه طافَ الدنيا بحثاً عن الحق!
لا تزهدوا بالبُسطاء والمساكين، فواللهِ إن الله يرضى عنكَ بالصَّدقةِ على فقيرٍ أكثر ممَّا يرضى بالهدية للغنيِّ، ويُحبَّك لزيارةِ المسكينِ المريض فارغ اليدين، أكثر ممَّا يُحبك لزيارةِ المُتنفِّذِ وصاحبِ المنصبِ وبيدك باقة ورد أو علبة حلوى!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٤٢
لو كان المُطْعِمُ بن عَدِيٍّ حياً!
يا ليوم الطائف ما أقساه، حملَ الجنة يومذاك وذهبَ بها إلى هناك أَنْ آمنوا وادخلوها، ولكن ابن عبد ياليل سيد القوم قال له: أما وجدَ اللهُ غيركَ ليُرسله؟! ثم أطلقَ وراءه الغُلمان والسُّفهاء ليرجموه بالحجارة! كُذِّب بدعوته، وأُوذِيَ بجسده، وسالَ الدمُ الشريف، وما أجرأ الناس على الله، وما أحلمَ الله على الناس!
ولأنَّ المصائب لا تأتي فُرادى، ولأنَّ أشدَّ الناس ابتلاءً الأنبياء، وهو سيدهم، كان على موعد مع ابتلاءٍ جديد حتى قبل أن تلتئم الجراح في قدميه، أما عن جرح قلبه فكان ما زال ينزُّ حين قررتْ قُريش أن تمنعه من دخول مكة، وهكذا صار بين نارين لا الغريب قبِلَ منه دعوته، ولا القريب قبلَ عودته! فكان لا بُدَّ له أن يبحث عمَّن يُجيره ويحميه ويُدخله تحت كنفه إلى مكة، فذهب إلى المطعم بن عديٍّ، وقبلَ أن يُجيره، وباتَ عنده تلكَ الليلة، ثم لما كان الصباح، خرجَ المطعم وبنوه مُتقلِّدي السيوف، حتى أتوا الكعبة، وقال للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم: طُفْ بالبيت ما شئت!
فجاء أبو سُفيان فقال للمطعم: أمُجيرٌ أنتَ أم تابعٌ له؟
فقال: بل مُجير
فقال أبو سُفيان: قبلنا جواركَ، وخلَّينا بين محمد وما هو فيه!
ثم مكثَ أياماً في مكة، وأُذِنَ له بالهجرة، ودار الزمان قليلاً، ماتَ في دورته المِطْعَم بن عديٍّ، ثم كانتْ غزوة بدر التي انتهتْ بالنصر، ولما جِيء بأسرى قُريش إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: لو كان المُطْعِمُ بن عديٍّ حيَّاً وكلَّمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له!
رغمَ أن هؤلاء أسرى حرب، ولو أن أحداً استطاع أن يقتله ما تردَّد ثانية، ولكنه حَفِظ َللمطعم بن عديٍّ معروفه معه، ولم ينسه، وأخبرهم أنه لو كان حياً وشَفِعَ فيهم ما ردَّ طلبه، ولأطلقهم له عرفاناً بمعروفه الذي صنعه معه!
النُّبلاء لا ينسون مواقف الآخرين المشرِّفة معهم حتى ولو كانوا من غير مِلةٍ وعلى غير دين!
فهل حفظنا للناس معروفهم، وتحيَّنَّا الفُرص لنرد إليهم هذا الجميل عملاً بهَدْيِه وسُنَّته، أم أخذنا ومضينا؟!
العبدُ تُقيده السلاسل، أما الحُرُّ فيُقيده المعروف! فكُنْ حراً ولا تنسَ معروفاً أُسديَ إليكَ، صحيح أن الذي فعلَ المعروف هو في الغالب لا ينتظر سداداً، ولكن من العار أن تنسى أنتَ!
تقدَّم رجل لخطبة امرأةٍ، فقال له أبوها ما زوجتكَ إياها عن زُهد فيها، ولا عن ثُقلٍ في الإنفاق عليها، ولكنها سُنة الله في الناس، ما استطعتَ أن تُحضره من مهر وبيت وجهاز أحضره، وما قصَّرتَ به أنا أدفعه!
وتمَّ الزواج، ويقول الزوج بعدها: نحن معاً منذ عشرين عاماً ما أغضبتُها يوماً، وحتى حين كانت تُشاجرني كنتُ أتذكرُ معروف أبيها معي، فأُراضيها ولو كانتْ هي المُخطئة!
إنَّ المعروف لا يضيع، وإن ضاعَ عند الناس فلن يضيع عند الله، فاصنعْ المعروف صنع من لا ينتظر السداد، ولكن إن أسدى إليك أحدٌ معروفاً فاعتبره دَيْناً وابقَ طوال العمر مُتحيِّناً اللحظة التي تُتاح لك فيها سداده فهذا خُلق الأنبياء!
أدهم شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٤٤
فاعملْ من وراء البحار!
جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يسأله عن الهجرة، فقال له: ويحكَ إنَّ شأن الهجرة لشديد، فهل لكَ من إبل؟
فقال الأعرابي: نعم
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فهل تُؤدِّي زكاتها؟
قال: نعم
فقال له: فهل تمنحُ منها شيئاً؟ يريدُ أن يقول له فهل تتصدَّق بالقليل بعد إخراج الزكاة
فقال: نعم
فقال له: فاعملْ من وراءِ البحار، فإنَّ الله لن يَترِكَ من عملكَ شيئاً!
علَّقَ الإمامُ النووي على هذا الحديث بقوله: المُراد بالهجرة التي سأل عنها الأعرابي هي مُلازمة المدينة مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتركِ أهله ووطنه، ولأنه يعلمُ حنين الأعراب إلى أوطانهم، خافَ عليه أن لا يقوى عليها، ولا يقوم بحقوقها!
الفكرة أنَّ الإنسان يستطيعُ أن يكونَ مُهاجراً مع النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وهو في بيته، فليس المهمُ أين يسكنُ المرء، ولا مع مَنْ، المهمُ ماذا يفعلُ، وكيف يتعبَّدُ، وكيف هو قلبُه، ما نَفَعَ ابنُ سلولٍ إقامتَه في المدينةِ وصلاتَه الفجر في المسجدِ خلف النبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وما ضرَّ عجائز الجزيرة اللواتي سمعنَ به، وآمنَّ برسالته، ولم يَرَيْنَهُ، اللهم إلا أنَّ رؤيته كنزٌ من كنوز الدنيا!
لا تُعلِّقْ صلاحكَ وفسادكَ على المكانِ الذي تعيشُ فيه، صحيحٌ أن البيئة مهمة، وأنها إما تُشجِّعُ على الطاعة أو تحثُّ على المعصية، ولكن الأجر على قدرِ المُجاهدة!
جاءَ زمانٌ على هذا الكوكب لم يكن أحدٌ يعبدُ الله فيه إلا إبراهيم عليه السلام! ومن حاشية فرعون وقصره جاء رجل يكتم إيمانه ويُدافع عن موسى عليه السلام!
ولا تُعلِّق فسادكَ وصلاحكَ على الأشخاص الذين تعيشُ معهم، كان فرعونُ يقول: "أنا ربكم الأعلى"! وفي الغرفةِ المُجاورةِ كانتْ زوجته آسيا بنت مزاحم تسجدُ وتقولُ: "سبحان ربي الأعلى"! فمهما بلغَ زوجكِ من المعصية ما هو إلا نقطة في بحر فرعون فلا تتحجَّجي! صحيح أن الزوج الصالح يُعين على الطاعة ولكن من قال أن الزوج العاصي سبب لتعصي أنتِ!
في بيتِ شيخِ المُرسلين نوح عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة! وفي بيتِ لوطٍ عليه السَّلام كان هناك زوجة كافرة أيضاً، وما شغلهما هذا عن العبادة الذاتية، بل عن عبادة النبوة والتبليغ وهي أعظم وأشقُّ وظيفة في التاريخ!
ومهما بلغَتْ زوجتك من سوء الخُلُق والمعصية فلن تبلُغ مقدار زوجتي نوح ولوطٍ عليهما السَّلام، فليسَ بعد الكُفر ذنب، فلا تتذرَّع! صحيح أن الزوجة الصالحة تُعين على الطاعة ولكن من قال أن تقصيرها يُبيحُ تقصيركَ!
نقطة أخيرة:
في كلِّ عائلةٍ هناك الصالح والطالح:
كان لآسيا زوج طاغية، وكان لنوحٍ ولوطٍ عليهما السلام زوجات كافرات، وكان لإبراهيم عليه السلام أب مشرك، وكان للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عمٌّ اسمه أبو لهبٍ ذمَّه اللهُ سُبحانه في القرآن الكريم، فلا تُعيِّر أحداً بقرابتِه!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
صَعدَ إلى السَّماءِ السَّابعةِ
ووصلَ إلى سِدرةِ المُنتهى
ثم عادَ إلى الأرضِ يحلبُ شاته ويخصفُ نعله
ويأكلُ مع المسَاكين في صَحنٍ واحدٍ
كان كبيراً قبل أن يصعد
وظلَّ كبيراً بعد أن نزل
كبيراً دون تكبُّر
عظيماً دون تعاظُم
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ❤
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٤٨
حتى تلقوني على الحوض!
ولَّى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً على بعض أمور المُسلمين، فقامَ رجلٌ من الأنصار فقال: يا رسول الله، ألا تستعملني كما استعملتَ فُلاناً.
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إنكم ستلقون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض!
ومن لطيف ما قرأتُ، سارَ بشرُ الحافي في طريقٍ ومعه رجلٌ، فعطِشَ هذا الرجل، فقال لبشرٍ: دعنا نشربُ من هذا البئر!
فقال له بشر: اِصبرْ حتى نصل إلى البئر الأخرى، فلما وصلا إليها، قال له مجدداً: اِصبرْ إلى البئر الأخرى، فما زال يُعلِّله ويُصبِّره حتى وصلا إلى حيث يُريدان، فقال له بشر: هكذا تنقطع الدنيا، بالصبر!
أما بيت القصيد فهو: اصبروا حتى تلقوني على الحوض!
ولعلَّ هذا أبلغ ما قيل في التَّثبيت في تاريخ البشرية، وما أحلاه من تصبير، وما أغلاه من تثبيت، فضعْها دوماً نُصب عينيك، تأمَّلْها كلما لاحتْ لك معصية، وتذكَّرْ أن الدنيا إنما تنقطع بالصبر، والأيام كلها ستنجلي بحلوها ومرها، ولا يبقى فيها إلا أجر الطاعة أو إثم المعصية!
إذا ضاقتِ الحال الاقتصادية بك، وارتشى الناس من حولك، فاقبضْ أنتَ على جمرِ دينك، وتخيَّل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكَ: اصبرْ حتى تلقاني على الحوض!
إذا نزلَ بكَ مرضٌ عُضالٌ، تذكَّرْ أن أنَّاتِ المريض مع الرضى بقدرِ الله تعدل تسبيح الذاكرين، وأنها مُجرد أيام ستمضي، وتخيَّل النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لك: اصبرْ حتى تلقاني على الحوض!
إذا خُلِعَ الحجابُ من حولكِ، وكثُرَ التبرجُ طمعاً في العريس تارةً، وإظهار الجمال تارةً أخرى، فلا تفقدي إيمانك، العريسُ رزقٌ، وكل إنسان سيأخذُ رزقه رغماً عن هذا العالم، فتمسَّكي بحجابك، وتزيَّني بعفتكِ، وتخيَّلي النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكِ: اصبري حتى تلقيني على الحوض!
إذا ظلمكم الأقربون، وهجركم المُحبون، وقيل فيكم ما ليس فيكم، فتذكَّروا أن الناس قد قالوا عن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: كذاب، وساحر، ومجنون!
فأين نحن منه كي نسلمَ من الناس، عزوا أنفسكم أنكم المظلومين لا الظالمين، والمُفترى عليهم لا المُفترين، وكلَّما ضاقتْ، تخيَّلوا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقول لكم: اصبروا حتى تلقوني على الحوض!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
من التناقضات الفجّة لمنكري السنة
المشككين في ثبوتها ووصولها إلينا
أنهم ينقلون عن أرسطو وأفلاطون وسقراط والسموأل وبولص ومسيلمة مطمئنّي البال
لم يفكروا يوما كيف ثبتت هذه النقول عنهم
فإذا ما نقلنا عن أوثق مدونات عرفها التاريخ
استيقظ ورعه البارد وبدأ وازع التثبّت الكاذب
.
علي العمران
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٤٩
جمرة من نار!
رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم خاتماً من ذهبٍ في يدِ رجُلٍ من الأنصار، فنزعَه من يده، ثم طرحه أرضاً وقال: "يعمدُ أحدكم إلى جمرةٍ من نارٍ فيجعلها في يده"!
فقِيل للرجلِ بعد أن مضى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: خُذْ خاتمكَ انتَفِعْ به!
فقال: لا واللهِ لا آخذه أبداً وقد طرحه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم!
درسٌ عظيمٌ من دروسِ الدعوةِ إلى الله تعالى، يُقابله درسٌ عظيمٌ في الاتِّباع!
قارِنوا بين موقف النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع الأعرابي الذي جاء من الباديةِ وبَالَ في المسجد، فنهرَه الصحابة، فأمرَهم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يترفَّقوا به، ولا يرفعوا أصواتهم في وجهه، وبين موقفه من الأنصاري الذي اتَّخذ خاتماً من ذهب!
إنَّ الفارق بين التصرُّفين ليس بسبب التفاوتِ بين الفعلين، ولا يُستنتج من الموقفين أنَّ التبوُّلَ في المسجد أمرٌ يسير، وأنَّ خاتمَ الذهب للرجال كبيرةٌ من الكبائر، وإن كان مُحرَّماً بلا خلاف! وإنما الفارق بسبب الشخص الذي ارتكبَ المُخالفة، فالأول أعرابيٌّ جاهلٌ، جاء من البادية لا يعلم من هذا الدين شيئاً، وتصرَّفَ بسبب عادته ومألوفه، أما الثاني فمن أهلِ المدينة، ومن الصحابة، وقد عَلِمَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن الرِّفق بالأعرابي لحداثةِ إسلامِهِ أصلحُ لحالِه، وأن الحزم َمع الأنصاري لنيله شرف الصحبة، ومُعايشةِ أهل الإيمان أصلحُ لحالِه!
صحيح أن الرفقَ مطلوب مع الجميع، وقد كان عليه السَّلام رفيقاً بأصحابه، ولكنها حادثة مُفردة، أراد فيها أن يُعلِّمنا أن العتب على قدر المحبة، واللوم على قدر الإيمان والسَّابقة، وأن الناس لا يُعالجون بدواء واحد!
هذا درس الدعوة، أما درس الاتِّباع فهو امتناع الأنصاري عن أخذِ الخاتم وبيعه بعد أن طرحه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من يده، مع أن الحُرمة في لبس الخاتم وليس في بيعه، ولكنه كره لعظيم إيمانه أن يلتقطَ خاتمه وقد رماه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.
يا لحُلو الاتباع، وجمال الانصياع والتسليم لأمر النُّبُوَّة!
لقد كرهَ أن يأخذَ خاتماً ألقاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم مع أن أخذه حلال كما تقدَّم، فهل كرهنا نحن ما ألقاه النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم من أخلاق وتصرفات وهي حرام!
لقد طرحَ الرِّبا أرضاً وهو حرام فهل تركناه، وقلنا سمعاً وطاعة فإن الحلال يُشبع وإن قلَّ، وإن الحرام لا يكفي وإن كثُر!
لقد طرحَ قطعَ الرَّحم، فهل وصلْنَا أرحامنا، وتغاضينا مرةً وتجاهلنا مرةً كي يستمر الود، لأن هذا خُلق الأنبياء وقد "أسرَّها يوسف في نفسه ولم يُبدها لهم"!
لقد طرحَ عقوق الآباء والأمهات، فهل بَرَرْناهم، وتذكَّرنا أن الوالد أوسط أبواب الجنة، وأن أحق الناس بحُسن الصحبة الأم، وقد قِيل للحسن البصري: أيختصم المرءُ مع أبويه؟ فقال: ولا مع أحذيتهما!
لقد طرحَ الإساءة إلى الجار، فهل كُنَّا خير جيرانٍ لجيراننا وتذكَّرنا أنَّ جبريل عليه السلام ما زال يُوصي النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ أنه سيُورِّثه!
ما سُمِيَ الإسلام إسلاماً إلا لأنه مشتقٌّ من الاستسلام لأمر الله وأمر رسوله، فهل قُلنا سمعنا وأطعنا؟!
أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٥٠
وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ!
جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: يا رسول الله، أيُّ الصَّدقة أعظمُ أجراً؟
فقال له: أن تتصدَّقَ وأنتَ صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقرَ وتأملُ الغنى، ولا تُمْهِلْ حتى إذا بلغت الحُلقوم، قُلتَ: لفُلانٍ كذا، ولفُلانٍ كذا، وقد كان لفُلان!
اِشبعوا من العباداتِ وأنتم في كاملِ الصحةِ والعافيةِ قبل أن يُحالَ بينكم وبينها!
تلذَّذوا بالسجود وأنتم أقوياء، ضعوا جِباهكم الشابة على الأرضِ له، قبل أن يجلسَ أحدُكم على كرسيٍّ ولا يستطيع من السجود أكثر من أن يحني رأسه إلى الأمام قليلاً! صحيح أن السُّجودين يقبلهما الله، ولعلَّ ساجداً على كُرسيه، قد سجدَ قلبه وكل عضو فيه، ولكنَّ العبادة في حال القوة أحب إلى الله، فالمرض يكسرُ الإنسان، ويُقرِّبه إلى الله بالفطرة، أما القوي الذي يختار أن يسجد فكأنه جاء يقول لربه: سجدَ لكَ هذا الرأسُ على ما فيه من مشاغل، وخشعَ لك هذا القلبُ على ما فيه من أهواء!
تلذَّذوا بالحج وأنتم أقوياء، طُوفوا على أقدامكم، واسعوا بين الصفا والمروة، واَسرِعوا الخُطى حيث أسرعتْ أمنا هاجر خُطاها، وارجموا بأيديكم، قبل أن يجلسَ أحدكم على كرسي مُدولب يُطاف به حول الكعبة، ويُسعى به بين الصفا والمروة، ويُوكِّل فلاناً وفلاناً ليرجُم مكانه! صحيحٌ أن اللهَ يقبلُ العبادةَ من العبد على حسب قُدرته، وربما طائفٌ على كرسي وكل أعضائه تطوف حُباً وخِشيةً، ولكن لذة العبادة عن قوة، وأن يُؤدِّيها المرءُ بنفسه لا يعدِلُها شيء!
اِشبعوا من الصِّيام وأنتم أقوياء، قبل أن يُباغتَكُم العُمْر والضغط والسكري وقرحة المعدة فتدفعون الكفَّارات وتتمنَّون أن يرجعَ بكم العُمر لتصوموا حتى النوافل! صحيحٌ أن الله يقبل من المُسلم الكفارة رحمة منه، ولكن أن يُحال بين العبد والطاعة دون أن يشبعَ منها في شبابه وقوته شعورٌ مُوجعٌ جداً، مُخطئٌ من يعتقد أن المُسنَّ الثريَّ ارتاح واستراح والكفارة لا تُكلِّفه شيئاً، واللهِ إن في قلوب المُسلمين المرضى الذين حُرموا الصوم حرقة!
تلذَّذوا بالصَّدقة وأنتم أقوياء، ألف راتب لو شئت أن تُنفقه لما كفاك، مُتطلبات الحياة كثيرة، وكمالياتها أكثر، وكل شيء يذهب وتبقى الصَّدقة، عوِّد نفسك أن تقتطعَ من راتبك ولو شيئاً يسيراً، وسمِّه مال الصدقة كما تقتطع من راتبك وتُسميه مال الكهرباء، ومال فاتورة الهاتف، ومال البقالة! لا تكن جامع مالٍ، يأخُذه الورثة بعدكَ وتُحاسب عليه وحدكَ! لا تنتظر لحظة العجز والنوم على فراش آخر العمر، حيث لم يعد المال يلزمك كثيراً ثم تقول اعطوا فُلاناً وفُلاناً، صحيحٌ أن الله يقبل الصَّدقة على أيِّ حال ولكن شتَّان بين من يتصدَّق رغم أنه يحتاج هذا المال لشيءٍ من الكماليات وبين من وصل إلى آخر العمر ثم استفاقَ على نفسه!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
#أدهم_شرقاوي
مع النَّبِي ٣ : آسيا بنتُ مزاحم !
روى أبو يَعلى في مُسنده عن أبي هريرة أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
إنَّ فرعون أوتدَ لامرأتِه أربعةَ أوتادٍ في يديها ورجليها
فكان إذا تفرَّقُوا عنها ظللتها الملائكة
فقالت : " ربَّ ابنِ لي عندكَ بيتاً في الجنَّةِ ونجِّنِي من فرعون وعمله ونجِّنِي من القوم الظالمين"
فكشفَ لها عن بيتِها في الجنَّة !
الدَّرسُ الأوّل :
يحاربُ اللهُ الطغاةَ من بيوتهم
من قصر الذي قال : " أنا ربكم الأعلى "، خرج نبيٌّ !
ومن غرفة نومه خرجتْ إحدى أعظم النَّساءِ في التَّاريخ
يريدُ الله أن يخبره كم هو عاجز !
ذبحَ آلاف الأطفال في طلب موسى عليه السّلام
ثم لمّا عثرَ عليه رغماً عنه ربّاه في قصره
جعلَ ألوفَ النساء تسجدنَ له
ولكنه عجز عند امرأته، لأنَّ القلوبَ بيد الله، وإنْ ملكَ النَّاسُ الأجساد
الدَّرسُ الثَّاني :
مساكين أولئك الذين يعتقدون أنّ الدِّينَ أفيون الشعوب
وأنه ليس إلا مخدر يتعاطاه الفقراء ليُصبِّروا أنفسهم
فيعيشون على أمل الجنة، كما يعيش السَّائرُ في الصحراء وراء السَّرابِ يحسبه ماءً !
هذه سيدة مصر الأولى، زوجة الملكِ الذي يحكم
وزوجة الإلهِ الذي يُعبد من دون الله
يكفيها أن تأمر لتطاع ...
وأن تنادي لتُجاب ...
ولكنَّها علمتْ أن ما عند الله خيرٌ وأبقى
لم تؤمنْ بأنهارِ الجنَّةِ من عطشٍ
ولم تؤمنْ بثمارها من جوعٍ
ولم تسألْ بيتاً في الجنة لضيق بيتها في الدنيا
كانتْ سيِّدة القصر، وسيِّدة البلد، وسيِّدة النَّاس
ولكنها رأتْ أن الغِنى الحقيقيّ هو غِنى القلب
وأنَّ الثَّراءَ الحقيقيّ هو ثراءُ الإنسان بربِّه
وأنَّ كلَّ البيوت مقارنة بالجنِّةِ ضيّقة
فكأنها قالتْ لفرعون : خُذْ كل ملكك واتركني لربي !
الدَّرسُ الثَّالث :
قيل لبلالٍ رضي الله عنه بعد أن سطعَ نجمُ الإسلامِ في سماء العالم :
كيف كنتَ تصبرُ على تعذيب أمية بن خَلفٍ لكَ ؟
فقال : كنتُ أخلطُ حلاوة الإيمان بمرارة العذاب فأصبر !
الإيمان مركّبٌ عجيب إذا تملَّكَ من القلبِ قَلبَ حال الناس
وإنْ صبرَ بلالٌ فليس في الأمر عجباً كثيراً
بلال رجل، والرجال أكثر صلابة في البنية الجسديّة من النِّساء
وهو قبل هذا كان عبداً وقد اعتاد العمل والمشقَّة
ولكن العجب أن تصبر امرأةٌ مُنعمة اعتادتْ على العزّ والدَّلال
على كلَّ هذا العذاب
وضعها فرعونُ على لوح من خشب
ودقّ الأوتاد في يديها ورجليها
فكانتْ كالجبل لا يئنُّ عندما تقطع الفؤوسُ الصَّخرَ من خاصرته !
وكالأشّجار العملاقة لا تبكي عندما تمخرُها المناشير
جسدٌ رقيقٌ يُعذب في الأرض
وروحٌ صلبة تُحلّقُ في السَّماء
وقبل أن تُسلم الرُّوح تبتسمُ، كما يقول ابن كثير في تفسيره
فيُجنُّ فرعون ويقول : أما زالتْ تبتسمُ ؟
لم يكن يعلمُ أنَّ الله أراها البيتَ الذي سألته إياه في الجنة !
الدَّرسُ الرَّابع :
كان الله قادراً أن يُنجيها من العذاب
فالذي أرسل لها ملائكةً تُظللها لن يعجزه أن يرسلهم ليخلِّصُوها
ولكنه سبحانه جعلَ الدُّنيا دار زراعةٍ لا دار حصاد
وآسيا زرعتْ في الدُّنيا لتحصدَ في الآخرة
فأراد اللهُ أن يُنمي لها زرعها !
إياكَ أن تسيء الأدبَ مع الله إذا نزلَ العذابُ بأهلِ الإيمان
كما يقولُ الحمقى إذا رأوا الباطلَ ينتصرُ في معركة : أين الله ؟!
إنَّ الله أطلقَ أيدي النَّاس على بعضٍ ليس عن عجزٍ منه
وأمهلَ الظالمين ليس عن قلة جُندٍ عنده
ولكنه جعل هذه الحياة امتحان
كيف سيرسبُ الظَّالمُ إن لم تكن عنده الحُريَّة أن يظلم ؟
وكيف سينجحُ العادلُ إن لم تكن عنده الحرية أن يعدل ؟
ثم متى كان الطريقُ إلى الجنة مُعبَّداً بالورود ؟
هذا طريقٌ مشى فيه نوحٌ عليه السّلام تسعمئةً وخمسين سنةً من المشقَّة
وطريقٌ نُشر فيه يحيى عليه السّلام بالمنشار
وطريقٌ أُلقي فيه إبراهيمُ عليه السّلام في النَّار
وطريقٌ أُضجعَ فيه إسماعيل عليه السَّلام للذبح
إنَّ الجنَّة غالية !
الدَّرسُ الخامس :
من خانَ اللهَ لا تتوقعْ منه الوفاءَ مع النَّاس !
لا تستغربْ أن فرعون صلبَ امرأته دون أن يراعي العشرة والصُّحبة
فهو لم يراعِ إحسان الله إليه من قبل !
وعندما يُعذب أميّة بن خلفٍ بلالاً دون أن يراعي سنوات طويلة من الخدمة
فهو عقّ اللهَ قبل أن يعقَّ مولاه
وأحسن ما قالته العجائز : خَفْ ممن لا يخاف الله !
لا تنتظر الأدبَ من قليل الأدبِ مع الله
من لم يقمْ بحقِّ اللهِ فهو عن حق الناس أعجز !
لهذا قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوِّجوه
لأنَّ الذي همَّه رضا الله فسيرضيه في خلقه
ولا تُزوج ابنتكَ إلا لتقيٍّ
إذا أحبها أكرمها وإذا لم يحبها لم يُهنها !
من كتاب : مع النَّبِي / أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
مع النَّبِي ٤ : دَيْنٌ وسَداد !
روى البخاريُّ في صحيحه من حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أنَّه ذَكرَ رجلاً من بني إسرائيل
سألَ بعضَ بني إسرائيلَ أن يُسلِّفه ألفَ دينار
فقال : ائتِني بالشُّهداء أُشهدهم
فقال : كفى بالله شهيدًا
قال : فأتِني بالكفيل
قال : كفى بالله كفيلاً
قال : صدقتَ
فدفعها إليه على أجلٍ مُسمَّى
فخرجَ في البحرِ فقضى حاجته ثم التمسَ مركبًا يركبها
يَقْدمُ عليها للأجلِ الذي أجلّه فلم يجدْ مركبًا
فأخذ خشبةً، فنقرها ، فأدخلَ فيها ألف دينار، وصحيفةً إلى صاحبِه
ثم زجَّجَ موضعها، ثم أتى بها إلى البحرِ فقال :
اللهم إنك تعلمُ أني كنتُ تسلَّفتُ فلاناً ألفَ دينار
فسألني كفيلًا، فقلتُ : كفى بالله كفيلًا، فرضيَ بكَ
وسألني شهيدًا، فقلتُ : كفى بالله شهيدًا، فرضيَ بكَ
وأني جهدتُ أن أجدَ مركبًا أبعثُ إليه الذي له
فلم أقدرْ، وإني أستوْدِعْكَها !
فرمى بها في البحر حتى ولجتْ فيه، ثم انصرف !
فخرجَ الرَّجلُ الذي كان أسلفه ينظرُ لعلَّ مركبًا قد جاءَ بماله
فإذا بالخشبةِ التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبًا
فلما نشرها، فوجدَ المالَ والصَّحيفة !
ثم قَدِمَ الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار فقال :
والله ما زلتُ جاهداً في طلب مركب لآتيكَ بمالكَ
فما وجدتُ مركبًا قبل الذي أتيتُ فيه
قال : هل كنت بعثتَ إليَّ بشيءٍ ؟
قال : أخبرتُكَ أني لم أجدْ مركبًا قبل الذي جئتُ فيه
قال : فإنَّ الله قد أدَّى عنكَ الذي بعثتَ في الخشبة
فانصَرِفْ بالألف دينارٍ راشدًا !
الدَّرْسُ الأوَّل :
النَّاسُ للنَّاسِ !
وقد سمعَ عمر بن الخطاب رجلاً يدعو :
اللهم لا تجعلْ لي حاجةً عند أحدٍ من خلقكَ
فقال له : ما أراكَ إلا تدعو على نفسكَ بالموت
فالنَّاسُ لا يستغني بعضهم عن بعض !
مَنْ قصدكَ فإنما توسَّمَ فيك الخير
وكفى بالمرء نُبلاً أن يكون عند حسن ظنِّ النَّاسِ به
وإنَّ العطاءَ ليس مالاً فقط وإن كان أكثر ما يحتاجُ إليه النَّاسُ !
وإنَّ على كلِّ شيءٍ زكاة
فزكاة الغِنَى أن ترحمَ فقيراً
وزكاة العلم أن لا تكتمه عمَّن طلبه، وعمّن لم يطلبه
وزكاة العقل أن تُسدي لمحتار نصيحة
وزكاة الجسد أن تجرَّ كسيحاً، أو تعبرَ بأعمى الطريق !
الدَّرْسُ الثَّاني :
مَنْ أخذَ مال النَّاسِ يريدُ سداده سدَّدَ الله عنه
ومَنْ أخذ َمال النَّاسِ يريدُ إتلافه أتلفه الله
وليس هناك أحقر ممن ينكرُ المعروف
إلا من يردُّ المعروفَ بالإساءة
فلا تكن سبباً في انقطاع الخير من الدنيا
كثيرٌ من النَّاسِ توقفوا عن تسليف المحتاج
لأنَّ كثيراً ممن طلبوا السَّلفَ نصبُوا وهربُوا
وكثيرٌ من النَّاسِ توقَّفُوا عن تزويج بناتهم بلا مهرٍ
لأنهم رأوا أن كثيراً ممن تزوجوا بلا مهر ظنُّوا أنَّ البنتَ رخيصة
وكثيرٌ من النَّاسِ لم يعودوا يُقلّون مقطوعاً في الطريق
لأنَّ مقطوعين كُثر كانوا غدّارين
وأجمل ما قالته الجدات :
مّنْ أمَّنكَ لا تخُنْه ولو كنتَ خوَّاناً !
الدَّرْسُ الثَّالث :
إنك لا تعرف في هذه القصة ممن تعجب
من الرَّجلِ الذي قَبِلَ أن يكون اللهُ شهيدًا وكفيلاً
أَمْ من الرَّجلِ الذي خاطر بماله كي لا يُخلف وعداً قطعه
ما أجمل النُّبلاء حين يتعاملون فيما بينهم
نبيلٌ يُقرضُ ماله بلا شهيدٍ ولا كفيلٍ
ونبيلٌ يردُّ دينه في خشبة !
الدَّرْسُ الرَّابع :
انوِ الخيرَ يفتحُ الله لكَ طريقاً له !
عندما نوى المُستدين أن يردَّ مال الدَِّائن
صارت الخشبةُ رسالةً والبحرُ ساعيَ بريد !
انوِ أن تكون زوجاً صالحاً وستأتيك الزوجة
انوِ أن تتعلمَ وستجد من يُعلِّمك
وانوِ أن تكون أميناً وستجد من يأتمنك
ما عَلِمَ اللهُ خيراً في قلب إنسان إلا بسطَ له الخير !
الدَّرْسُ الخامس :
إن استجاركَ أحدٌ بالله أجِرْهُ
وإن سألكَ باللهِ أعطِه
إنَّ النَّاسَ اعتادتْ أن لا تردَّ شفاعة شريفٍ يشفع
فكيف بمن جاءك باللهِ شفيعاً
وطلبُ الشُّهود وكتابة العقود ليس فيه شيء
بالعكس هذا هو الأصل لأنَّ الدُّنيا فيها حياة وموت وغدر وخيانة
فلا تزهدْ في تدوين حقك
ولا تنزعجْ ممن طلبَ أن يكتب حقه عندك ليضمنه
وإنَّ أطول آية في القرآن الكريم هي آية التَّداين
وقد حضَّ الله فيها على الكتابة والإشهاد
ولكن الله توَّجَ ذلك بدعوة أوثق من العقود وهو الأخلاق، فقال :
"فإن أَمِنَ بعضُكم بعضًا فليؤدِ الذي أُتمن أمانته" !
من كتاب : مع النَّبِي / أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
في حياة كلٍّ منا يوم بدر، وفي حياة كل منا يوم أُحُد، وجبل تم تحذيرنا منه، وطعنة مؤلمة في الظهر، وهزيمة موجعة مفجعة، وخواطر مكسورة.
ولكن هناك أيضًا سورة آل عمران، تأتيك لتجبر كسرك وتطيِّب جرحك وتمسح دمعتك، كان الصراع مريرًا في «سورة البقرة»، ولا بد أنه تضمَّنَ كسرًا ككسر يوم أُحُد، أو أيام أُحُد؛ لذلك تأتي بعدها سورة آل عمران؛ لتجبر ما كُسِرَ.
آل عمران يأتونك خصيصًا ليهمسوا في أذنيك: هذا يحدث دومًا، انظر إلى الصورة الكبيرة، إلى العاقبة، إلى النهاية التي تضم كل النهايات.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}.
وتنتهي السورة بخطة للخروج من كسر الخاطر، خطة لجبر الخاطر: اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا.
الصبر داخلي، بينك وبين نفسك، وقد يبدأ بهذا الوعي جبيرة الكسر، والمصابرة خارجية، تجاه الأمر المحيط بك، ولا يمكن أن يحدث ما لم يبدأ من الصبر، ويكون تفاعلًا بينك وبين مَنْ حولك أيضًا، تصبِّرهم ويصبِّرونك.
والمرابطة مواجهة ما أودى بك إلى ما كسرك.
وخلال كل ذلك: التقوى.
من " القرآن نسخة شخصية"
#أحمد_خيري_العمري
على منهاج النُّبُوَّة ٥١
فقالوا: مُراءٍ!
لمَّا نزلتْ آية الصَّدقة، اجتهدَ الصحابةُ في الإنفاق، فجاءَ رجلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثير.
فقال بعض الناس: هذا مُراءٍ!
وجاءَ رجلٌ آخر فتصدَّقَ بصاعٍ.
فقال بعض الناس: إنَّ الله غنيٌّ عن صاعِ هذا!
فنزلَ قولُ اللهِ تعالى: "الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخرَ الله منهم ولهم عذابٌ أليم"!
يبدو أنَّ بعض الأشياء لا تتغيَّر على ظهرِ هذا الكوكب، في كلِّ مجتمعٍ سنجدُ فئةً لا عمل لها إلا التَّنظير الفارغ، والدُّخول في نوايا الناس، عيَّنوا أنفسهم قُضاةً على خلق الله، وجلسوا يُصدرون الأحكام، ويُوزِّعون الناس على الجَنة والنار، وهؤلاء لو أردتَ أن تنتقدَهم فإنك تحتار من أين تبدأ!
الشابُّ الذي يرتادُ المساجد عندهم مُعقَّد، والذي لا يذهب إلى المساجد مُنحلّ!
الفتاةُ التي تلتزمُ الحجاب الشرعي عندهم جاهلة بالموضة و"دافنة نفسها"، والفتاة التي لا تتحجَّب عندهم لا تعرف الله!
الذي يُقيم موائد الإفطار عندهم شخصٌ يُحبُّ الظهور، والذي لا يُقيمها بخيل!
الذي يقضي وقتاً طويلاً في بيتِه مع عائلتِه عندهم مُنطوٍ وغير اجتماعي، والذي يخرجُ كثيراً مُهملٌ لبيته!
التي تصنعُ الحلويات في منزلها عندهم بخيلة، والتي تشتري الحلويات من المحلات عندهم مُبذرة!
هكذا هم يبحثون في كل فضيلةٍ عن رذيلة هي في أنفسهم!
إذا استمعَ الشابُ لكلامِ أبويه قالوا ضعيف الشخصية!
إذا التزمتْ الفتاةُ بيتها قالوا "دقة قديمة"!
إذا عملَ أحدٌ بوظيفتين ليكفي نفسه ويستغني عن أمثالهم قالوا: أكلتْهُ الدنيا!
إذا بكى إمام في الصلاة قالوا: مُمثلٌ بارع!
أمثال هؤلاء على الإنسان أن يهربَ منهم ومن مجالسِهم كما يهربُ من الطاعونِ والجربِ والجُذامِ، لأن حالهم كحالِ جحا وابنه مع الناس!
ركبَ جحا وابنه حماراً لهما، فقالوا: يا للحمار المسكين يركبه اثنان!
أنزلَ جحا ابنه وبقيَ هو راكباً، فقالوا: يا للأب القاسي، يركبُ ويتركُ ابنه يمشي!
نزل جحا وأركبَ ابنه، فقالوا: يا للولد العاق يركبُ ويتركُ أباه يمشي!
فقررا أخيراً أن يمشيا ويجرا الحمار، فقالوا: مجنونان معهما حمار ويمشيان!
أدهم شرقاوي
مع النَّبِي ٥ : السّحابة !
روى مسلمٌ في صحيحه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
بينما رجلٌ بفَلاةٍ من الأرض، فسمع صوتاً في سحابةٍ :
اسقِ حديقة فلان !
فتنحّى ذلك السحاب، فأفرغَ ماءه في حَرّةٍ / جهةٍ
فإذا شَرجةٌ / قطعة أرضٍ من تلك الشِّراج قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه
فتتبّعَ الماءَ فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يحولُ الماء بمسحاته
فقال له : يا عبد الله، ما اسمك ؟
قال : فلان، - الاسم الذي سَمِع في السَّحابة -
فقال له : يا عبد الله، لمَ تسألني عن اسمي ؟
فقال : إني سمعتُ صوتاً في السَّحاب الذي هذا ماؤه، يقول :
اسقِ حديقة فلان – لاسمك - ، فما تصنعُ فيها ؟
قال : أما إذ قلتَ هذا، فإني أنظرُ إلى ما يخرجُ منها
فأتصدَّقُ بثلثه، وآكلُ أنا وعيالي ثلثاً، وأردُّ فيها ثلثه !
الدَّرْسُ الأوَّل :
من أقامَ أمرَ اللهِ أقامَ اللهُ أمرَه
ومن سخَّرَ ما بين يديه للهِ سخَّرَ اللهُ له ما بين يديه
وكلُّ هذا الكون بيد الله
فكُنْ لله كما يُحبّ يكنْ لكَ كما تُحبّ
وثِقْ أنَّ قوانين الدُّنيا تحكمُ النَّاسَ ولا تحكمُ الله
فلأجلِ عبدٍ صالحٍ يخرقُ سبحانه هذا القانون الذي وضعه ليحكم العالم
وإنّ الله قد يعطي الصالح بصلاحه ما يعطي النبيّ بنبوِّته !
ألم ترَ أنَّ ناراً ملتهبة صارتْ لإبراهيم عليه السّلام برداً وسلاماً
وحوتاً مفترساً صار ليونس عليه السّلام حضناً ووعاءً
وسكِّيناً حاداً صار في رقبة إسماعيل عليه السّلام عاجزاً
وهذه غمامة يسوقها مَلَكٌ لأجل رجلٍ واحد
أراد الله يومذاك أن لا يسقيَ القوم
ولكنه علمَ أن له عبداً ليس أهلاً لأن يُحرم معهم
فغيّرَ قانون العالم لأجله
شأن السَّحاب أن يسقيَ الكلّ
ولكنها سحابةٌ مخصوصة لعبدٍ مخصوص
أصلحَ دينه، فأصلح الله له دنياه !
الدَّرْسُ الثَّاني :
الشُّهرة الحقيقية ليستْ أن تكون معروفاً في الأرض
وإنما أن تكون معروفاً في السماء !
هذا فلاَّح مجهولٌ في الأرض
ولكنه معروفٌ في الملأ الأعلى
يصْدرُ الأمرُ من المَلِكِ إلى المَلَكِ أن سُق الغمام لأرض فلان
لو نادانا فنَّانٌ باسمنا لطرنا فرحاً
ولو نادانا وزيرٌ باسمنا لما وسعتنا الأرض
ولو نادانا رئيس باسمنا لما رأينا في ذلك اليوم أحداً من فرط السعادة
هذا الحال وعبد ينادي عبداً !
فكيف هي الحال وملك الملوك يصدر قراراً سماوياً :
اسقوا أرض عبدي فلان !
الدَّرْسُ الثَّالث :
قالوا قديماً : العمل عبادة !
هذا صحيح، ولكن العمل الذي يُسقط حقَّ الله هو عبادة للشيطان
هناك من يضبطُ مُنبِّهه على صلاةِ الفجر
وهناك من يضبطُ مُنبِّهه على ساعة الدوام
وشتان بين من يعرفُ أنه خُلق للعبادة
وبين من يعتقدُ أنه خُلق للحراثة !
للعبادة وقت، وللعمل وقت
ومن أجّلَ العبادة حتى يفوتَ وقتُها لأجْلِ العمل فقد أساءَ الأدب مع الله
إذ اعتقدَ أنه يرزقُ نفسه
إنَّ الرِّزقَ الذي نطلبه بالعمل هو أساساً عند الله
فكيف نطلبُ من الله ما نحبُّ بما يكره !
" الشَّيطانُ يعِدُكم الفقرَ والله يعدِكُم مغفرةً منه وفضلاً "
يكون العملُ عبادة عندما نقومُ بحقِّ الله قبل حقِّ ربّ العمل
والمتواكلُ من كَسْبِ غيره بحجة العبادة
ليس أفضل حالاً من تارك الصلاة لأجل العمل !
فقد قال سيدنا: " ما أكلَ امرؤٌ طعاماً خير من كسب يده، وإن نبيَّ الله داود كان يأكل من كسب يده "
" ولأَنْ يحمل أحدُكم حبلاً فيحتطبَ خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه "
وقال عن الماكث في المسجد وأخوه ينفق عليه : أخوه خير منه !
سِرَّ الحياة الموازنة
والأمر لم يكن يوماً أعْبُدُ أم أعمل
كان المسيح عليه السلام نجاراً في أرض الجليل وهو من أولي العزم من الرسل
وكان لشعيبٍ عليه السّلام غنم ترعاه ابنتاه لأنه بلغ من العمر عتياً
وعندما زوّج موسى عليه السّلام إحدى ابنتيه كان المهر العمل
هذا حال الأنبياء فما بال الذين دونهم ؟!
الدَّرْسُ الرَّابع :
الجَّزاءُ من جِنس العمل !
الذي سخّرَ أرضه لرضا الله حفظها له
حين أراد سبحانه أن يُعاقب الناس
لهذا كُنْ على ثقةٍ
ما سخّرت مالاً لله إلا نمَّاه لكَ، وما نقصَ مالٌ من صدقة
وما سخّرت دقائق لقيام الليل
إلا وضع الله فيك نشاطاً يفوق ما وضعه بالذين ناموا الليل بطوله
هناك شيء اسمه البركة لا نلتفتُ إليه
والأشياء لم تكن يوماً بالكمِّ بل بالكيف
كلنا نعرف شخصاً يجمعُ المال من حرام
ومع هذا يشكو قلته
ونعرف شخصاً يتحرَّى الحلال فنستغرب كيف يكفيه هذا القليل
وقد قال عمر رضي الله عنه : إني لا أسأل الله الرزق فقد فرغ من قسمته
ولكني أسأله البركة فيه !
من كتاب : مع النَّبي
#أدهم_شرقاوي
*.*( البيان : في حكم قراءة القرآن بالمقامات والألحان )*.*
من أكثر الأسئلة التي تُطرح على المُقرئين : ما حُكمُ قراءةِ القرآنِ بالمَقامات والتغني به؟
وهي مسألة طويلةٌ ، عويصةٌ ، كثُرَت فيها الأقوال والنّقولات ، بين مُؤيّدٍ مُطلقٍ ، ومانعٍ مُطلقٍ ، وبينَ وبينَ ..
ويمكن جمع الأقوال والنقولات في مسألة التغني في القرآن على الآتي :
الأوّل : التغني الذي يكونُ عن سجيّةٍ وعدم تكلّفٍ ، تعرفه الطّباع وتألفه الآذان والأسماع ..
من غير تكلّف دراسة المقامات ، وتحرير الطبقات ، والتنقّل بين العَربات ؛ فهذا داخلٌ في حديث الصحيح : ( ليس منّا من لم يتغن بالقرآن ، يجهرُ به ) ، والتغنّي أي المرادُ به تحسينُ الصوت والأداء ،
وقيل : التغنّي هو الاستغناء أي الاكتفاء به عن غيره ، وهو ضعيف ..
ونحوه قول أبي موسى الأشعري : ( لو علمتُ يا رسول الله أنّك تستمعُ إليّ لحبرتّه لك تحبيرًا ) ..
والثاني : ما يكونُ عن دراسةٍ لعلم المقامات وضبطٍ لطبقاتها ، وهو على صنفين كذلك :
1- ما يُخرجُ القراءةَ عن الأداء القُرآني ، ويكونُ أشبهُ بلحونِ أهل الغناء والطرب ،
أو ما يحيدُ عن التجويد القويم كتمطيطٍ وترعيدٍ وتطنينٍ وترجيعٍ وفرطٍ في الحركات ونحوها ..
وهذا لا خلافَ فيه بين السّلف في منعه ، وعليه تُحمَل نصوصهم الكثيرة ، منها :
ما قاله الإمام القسطلاني في شرحه لصحيح البخاري : ( إن ما أحدثه المتكلفون بمعرفة الأوزان والموسيقى في كلام الله من الألحان والتطريب، والتغني المستعمل في الغناء بالغزل على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة ؛ من أشنع البدع ، وأسوأ المنكرات ، وإنه يوجب على سامعهم النكير ، وعلى التالي بالتعزير ) أ.هـ
وسُئل الإمامُ أحمد عن حكم المقامات في القرآن فقال : ( اتخذوه أغاني .. اتخذوه أغاني .. لا تسمع من هؤلاء ) أ.هـ ..
وقال الإمام ابن كثير الدمشقي في تفسيره:
( فأما الأصوات بالنغمات المحدثة المركّبة على الأوزان والأوضاع الملهية ، والقانون الموسيقاني ؛ فالقرآن ينزه عن هذا ويُجلّ ، ويعظم أن يُسلك في أدائه هذا المذهب ، وقد جاءت السنة بالزجر عن ذلك ) أ.هـ ..
2- ما لا يُخرجُ القراءة عن الأداء القرآني ، ويكونُ القارئُ ضابطاً للتجويد مُحكماً ، فهذا ما وقعَ فيه السلفُ بين كراهيةٍ وجوازٍ بحسب حالِ القارئ ..
قال أحمد ابن الإمام ابن الجزري رحمهما الله : ( وأما القراءة بالأنغام المستفادة من الموسيقى ؛ فإن أفرط فحرام وإلا فمكروه ) أ.هـ ..
وقال الإمام السيوطي رحمه الله : ( قراءة القرآن بالألحان والأصوات الحسنة والترجيع إن لم تخرجه عن هيئته المعتبرة فهو سنّة حسنة ) أ.هـ
والله أجلُّ وأحكم .. ومجرد فضفضة ..
د. ماجد بن حسان شمسي باشا ..
في ليلة من ليالي الأنس في إنجلترا ٦/٨/٢٠١٨م
#ماجد_حسان_شمسي_باشا
على منهاج النُّبُوَّة ٥٣
وإنما لكل امرئٍ ما نوى!
خطبَ رجلٌ من قريشٍ امرأةً من مكة يُقال لها أم قيس كانت قد أسلمتْ وهاجرتْ، فوافقتْ على الخطبة واشترطتْ عليه أن يُهاجرَ إلى المدينة، فهاجرَ إليها لا يُريدُ إلا أم قيس، فكان أهل المدينة يُلقبونه بمُهاجر أم قيس!
وهذه القصة هي سبب حديث النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم الشهير: "إنَّما الأعمالُ بالنياتِ وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى، فمن كانتْ هجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ فهجرتُهُ إلى اللهِ ورسولِهِ، ومن كانتْ هجرتُهُ لدُنيا يُصيبُها أو امرأةٍ ينكِحُها فهجرتُهُ إلى ما هاجَرَ إليه"!
لتكون العبادة مقبولة عند الله فلا بُدَّ أن يتحققَ فيها شرطان، فإن غابَ أحدهما صارتْ عبادةً باطلة، وهما: إخلاصُ النيةِ لله تعالى ومُوافقةُ العبادةِ للشَّرع. بمعنى من صلَّى الظُهر خمس ركعات وهو في نيته ينوي أن يتقرَّبَ إلى الله لم تُقبلْ صلاته فرغم صلاح النية إلا أن الصلاةَ هذه بركعاتها الخمس مُخالِفةٌ للشريعة! ومن تصدَّقَ على إنسان يُريدُ أن يُرِيَ الناس أنه مُتصدق لم تُقبل صدقته، فهذا وإن وافق عمله ضوابط الشريعة إلا أن نيته ليستْ خالصة، وعليه قِسْ كل العبادات والأعمال!
وهنا بيت القصيد: لكل امرئٍ ما نوى!
حتى الملائكة لا تعلم النوايا، وحده الله سبحانه يرانا من الداخل، وحده يعلمُ الغايةَ من وراء الفعل، ونحن لم نُؤْمرْ بأكثر من أن نحكمَ على الناسِ بالظاهرِ ونتركَ السرائرَ لربِّ السرائرِ!
يذهبُ اثنان إلى المسجد للصلاة، أحدهما يُريدُ وجه الله، والآخر يُريدُ أن يراه الرَّجل الذي ينوي بعد أيام أن يخطبَ ابنته، ولكلِّ امرئٍ ما نوى!
يذهبُ اثنان إلى زيارة مريض، أحدهما يُريدُ وجه الله، لا مصلحة له ولا غاية، والآخر يُريدُ ثمن هذه الزيارة، واسطة إن كان مُتنفِّذاً، وصدقة إن كان غنياً، ولكلِّ امرئٍ ما نوى!
يعزمُ اثنان أقاربهما على مائدةِ طعام، أحدهما يُريدُ صلةَ الرَّحم، وتأليفَ القلوب، وجمعَ العائلة، والآخر يُريدُ أن يتفاخرَ ببيته وماله، اشتركا في الفعل واختلفا في النية، ولكل امرئٍ ما نوى!
ومن قبل هذا بآلاف السنوات، أرادتْ زُليخة يُوسف عليه السلام لنفسها، فاستعصمَ، ثم فرَّ يجري نحو الباب ليهربَ بعفته ودينه، وقامتْ هي تجري وراءه تُريدُ أن تُرجعَه إليها، لقد "استبقا الباب" كلٌّ يجري إليه، ولكن لكل واحد منهم نيته، أحدهما يهربُ من المعصية، والآخر يركضُ إليها، فتذكر دوماً، النوايا مناطُ الأعمالِ، ولكل امرئٍ ما نوى!
أدهم شرقاوي
على منهاج النُّبُوَّة ٥٤
اِرمِ فداكَ أبي وأمي!
كان سعد بن أبي وقاص من أرمى الصحابةِ بالقوسِ، ولمّا كان يوم غزوة أُحُد، رأى النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً من المُشركين قد أثخنَ بالمُسلمين، وقتلَ منهم، فتناولَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم سهماً من كِنانته، وأعطاه لسعدٍ وقال له: اِرمِ فداكَ أبي وأمي!
فأخذ سعدٌ السَّهم، ووضعه في قوسه، ورمى به الرَّجُلَ المشركَ، فأصابه قُربَ قلبه فسقطَ ميتاً، فجعلَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يضحكُ حتى بدتْ نواجذه!
يُعلمنا النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن نأخذَ بالأسباب، فيوم أُحُدٍ لبسَ درعين لا درعاً واحداً، رغم أنه أكثر أهل الأرض يقيناً أن هذه الدروع لن تحميه من الموت لو أنَّ الله سُبحانه قدَّر له أن يموتَ يومها، ولكنه كان يأخذ بالأسباب كأنها كل شيء، ويعتمدُ على الله كأن الأسباب لا شيء!
وٱنظُرْ إليه كيف يأخذُ سهماً من كنانته ويُعطيه سعداً، لم يجلسْ يومها في خيمته، بل كان في قلبِ المعركة، وهذه رسالةٌ عظيمةٌ لكل قائدٍ في مجاله، للمُديرِ في شركته أن اِنزلْ إلى الأرض، وتابعْ أمورك بنفسك عن قُرب!
للوزير أن لا تعرف عن الناس ما يصلك من تقاريرِ معاونيكَ فقط، شاهِدْ كيف تجري الأُمور بنفسك، التقِ مع الناس واسمعْ منهم!
للآباء أن ينزلوا من أبراجهم العاجية قليلاً، ساعِدْ زوجتك في المطبخ، حُلَّ لولدٍ فرضاً، اروِ لبنتٍ قصةً، علِّمْ طفلاً سورةً من القرآن، الأبُ ليس جامع َمالٍ فقط، وما يحتاجه الأولاد أكثر من مسكنٍ ورغيفٍ، ثمة فرق شاسع بين التربيةِ والإعالةِ!
درسٌ نبويٌّ آخر، لقد أعطى السَّهم لسعدٍ لِمَا يعرفه عنه من مهارةٍ في الرَّمي، حتى في خِضَمِّ المعركةِ كان النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يضعُ الرجل المناسب في المكان المناسب، السَّهمُ لأفضل رامٍ، وقيادةُ الجُند لحمزة أفضل من يعرفُ شؤون الحرب من الصَّحابة، هذه الأُمَّة لن تستعيدَ مجدَها حتى تضع الرجل المناسب في المكان المناسب!
التشجيعُ والتحفيزُ يُخرجُ أفضل ما في الناس، تماماً كما أن الانتقاد الفارغ واللوم الدائم يُصيبهم بالإحباط، ويقتلُ فيهم مهاراتِهم ومبادراتِهم للإبداع!
اِرمِ فداك أبي وأمي! كلمةٌ تقولها العربُ للتحبُّبِ والتشجيعِ والتقرُّبِ، ورغم أن الوقت وقت حرب، والمعركة على أشُدِّها، لم ينسَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يشجِّعَ أصحابه، فلِينُوا، وشجِّعوا، وحفِّزوا، يُعطيكم الآخرون أقصى قدراتهم!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
#أدهم_شرقاوي
مع النَّبِي ١٢ : سارة والفرعون !
روى البخاريُّ في صحيحه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
لم يكذبْ إبراهيمُ النبي عليه السلام إلا ثلاث كذباتٍ
ثنتين في ذات الله !
قوله : " إني سقيم " وقوله : " بل فعله كبيرهم "
وقال : بينما هو ذات يومٍ وسارة إذ أتى على جبارٍ من الجبابرة
فقيل له : إن ها هنا رجلاً مع امرأة من أحسن النَّاس
فأرسلَ إليه فسأله عنها، فقال : من هذه ؟
قال : أختي !
فأتى سارة فقال : يا سارة ليس على وجه الأرضِ مؤمن غيري وغيركِ
وإن هذا سألني فأخبرته عنكِ أنكِ أختي، فلا تكذّبيني
فأرسل إليهما، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأُخذ
فقال لها : ادعي الله أن يطلق يدي، ولا أضركِ، فدعتْ فأُطلقَ
ثم يتناولها الثانية، فأُخذ مثلها أو أشدّ
فقال : ادعي الله لي، ولا أضركِ ! فدعتْ فأُطلق
فدعا بعض حجبته، فقال : إنكم لم تأتوني بإنسانٍ، إنما أتيتموني بشيطان !
فأتتْ إبراهيمَ وهو يصلي، وقالتْ :
كفَّ اللهُ يد الفَاجر، وأخدم هاجر !
الدَّرْسُ الأوّل :
يقودنا هذا الحديثُ الشَّريف إلى الحديث عن عصمة الأنبياء
وللعلماءِ فيه قولان شهيران معتبران
الأول : عصمة الأنبياء المطلقة في الدين والدُّنيا فلا يصدر منهم الخطأ
الثاني : العصمة في الدين والإبلاغ عن الله، واحتمال وقوع الخطأ في شأن الدُّنيا
وأنا إن كنتُ أميل إلى الرأي الثَّاني
فلا أرى فيما أفهمُ من هذا الدِّين إمكانية كذب الأنبياءِ ولو في الدُّنيا
لأننا لو قلنا به لكانَ هذا فتح باب في مناقشة الكذب في الدعوة
والأنبياءُ أكرمُ من هذا وأرفعُ شأناً
والله أحكم وأحزم أن يعصم في الدِّين ولا يعصم في الكذب ولو كان في الدُّنيا
فأما كذبتيْ إبراهيم في ذات الله
فالواضح منهما أنهما من باب إقامة الحُجّة على قومه لا أكثر !
وأما الكذبة مع الفرعون فهي تدخلُ كما أرى في باب التورية !
فالمسلمُ أخو المسلم وسارة أختُ إبراهيمَ ديانةً لا نسباً
وفي المعاريضِ مندوحة عن الكذب كما قال سيِّدنا صلى الله عليه وسلم
وقد استخدمَ _ بأبي هو وأمي _ التورية
فيوم هجرته مع أبي بكر، سأله أعرابي : من أيِّ القبائل أنتم ؟
فقال له صلى الله عليه وسلم : نحن من ماء !
فقال الأعرابيُّ : قبائلُ العربِ كثيرة
وقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه من الماء الذي خُلق منه الناس !
الدَّرْسُ الثَّاني :
وبما أنّ الحَديث عن الكذب فمن نافلة القول أن نُعرِّج على مواضع إباحته !
يبيحُ الإسلام الكذب في ثلاث حالات :
الأول : الكذبُ على الأعداء
فليس من المعقولِ أن يأخذوا أسيراً مسلماً ثم يسألوه فيصدُقهم !
والحكمة من إباحته هنا، رفعُ الضرر عن جماعة المسلمين
أما الثَّانية : فالكذب لإصلاح ذات البَينِ
حيثُ يباحُ لمن أراد أن يُصلح بين متخاصمين أن يذكرَ كلاماً طيباً
لم يقله أحد المتخاصمين في الآخر !
والحكمة منه رأبُ الصَّدعِ بين النَّاسِ لصلاح دنياهم
وأما الثَّالثة : فهي كذبُ الرجل على زوجته، والزَّوجةُ على زوجها
وهو كذبٌ من بابِ تطييب الخواطر والمُجاملة وحسن العشرة
لا يدخلُ فيه الكذبُ الذي فيه ضرر وخداع وغش
كثناء الرَّجل على طعام زوجته والإشادة به وهو غير ذلك
أو مدحها والغزلُ بها وإخبارها أنها أجمل امرأةٍ في الدُّنيا وهي ليستْ كذلك
وما يُقال في الرجل يُقالُ في المرأة
فقد سألَ رجلٌ زوجته إن كانتْ تحبُّه وناشدها الله أن تصدقه
فقالتْ له : أما إنك قد ناشدتني الله، فلا أحبك !
فشكاها إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه
فأرسلَ عمر في طلبها .. وأنَّبها
فقالت له : يا أمير المؤمنين، أتريدني أن أكذبه !
فقال لها : نعم اكذبيه، أكُلُّ البيوتِ بُنيتْ على الحُبِّ
ألا إنَّ الناسَ يتعاملون بالمروءة والذِّمة !
الدَّرْسُ الثّالث :
خرجتُ إلى الطبيعةِ صبيحةَ ليلةٍ كان فيها عاصفة هوجاء
فوجدتُ كثيراً من الشجر قد انكسرَ وصار ركاماً
أما الأعشاب فكانت على حالها سليمة معافاة
فتعلمتُ درساً بليغاً هو : أحياناً على المرء أن ينحني !
العاقل ُيُقدّر المواقف ولا يخوضُ صراعاً خاسراً
علينا أحياناً أن نُقدر قوَّة الخصم جيداً
لأن أي خطأ في الحسابات يعني نهايتنا !
وأحياناً تغدو الطريقة الوحيدة للفوزِ ببعضِ الخلافاتِ هي عدم خوضها أساساً
وقد كان إبراهيمُ عليه السلام حكيماً
كان يعرفُ أنه إذا وقف في وجه الفرعون وماتَ سيموت شهيداً
ولم يكنْ عليه السلام جباناً ولا زاهداً في الشَّهادة
ولكنه كان يعلمُ أنه أُرسل لأمرٍ أعظم من أن يُفرط فيه في مواجهة
فأخذَ بالأسبابِ ما استطاع وأوكلَ الأمرَ إلى ربِّه
ولأنَّ الجزاءَ من جنسِ العملِ عادتْ الزوجة التي أرادها الطاغية لنفسه
سليمةً معافاة في شرفها، ومعها امرأة صارت فيما بعد زوجةً أخرى !
الدَّرْسُ الرَّابع :
بنتُ الأصل لا تمنُّ على زوجها !
كانتْ سارة من أجمل نساءِ الأرض
وقد قال بعضُ المُفسرين أن جمال يوسفُ عليه السَّلام هو عرق من جدته سارة !
ورغم هذا الجمال كلّه، كانت أديبةً حبيبة
تعينُ زوجَها على الحقِّ ولا تتكبر عليه بجمال حباها اللهُ إيّاه
وكذلك كانتْ أمنا خدي
جة رضي اللهُ عنها بنتَ أصلٍ
فاحشة الثَّراء وزوجها صلى الله عليه وسلم من أفقر النَّاس
وقد تركتْ مالها كلَّه بين يديه
ولم تجعلْ هذا الفارق الماديِّ حَجرَ عثرةٍ في طريقِ زواجهما
وهذا ما جعلها كبيرةً عنده حتى بعد موتها
وما كان يرضى أن تُمسَّ بكلمةٍ وهي تحتَ التراب
وقد كانتْ عائشة رضي الله عنها تغارُ منها لكثرةِ ذِكره لها
وقالت له يوماً : أما زلتَ تذكرها وما كانت إلا عجوزاً في غابرِ الأزمان
وقد أبدلكَ الله خيراً منها
فقال : واللهِ ما أبدلني اللهُ خيراً من خديجة، تلكَ امرأةٌ رُزقتُ حبَّها
أعطتني إذ حرمني النّاس، وآوتني إذ طردَني الناس، وآمنتْ بي إذ كذَّبني الناس !
الدَّرْسُ الخامس :
المسلمُ غالٍ، والحفاظُ عليه مطلبٌ شرعيّ !
صحيحُ أنه ليس جباناً، وأنَّه مَرْحبًا بالموت إن كُتب
ولكن الناس ليسوا قرابين تُزهقُ وبالإمكان حقنُ دمائِها
وقد كان عمرُ رضي الله عنه معجبًا بفتوحاتِ عمرو بن العاص رضي لله عنه
لأنَّ عمرو كان داهيةً كما هو معلوم، يعقدُ الأحلافَ ويتجنّب الخصوم
ولا يخوضُ معركةً بإمكانه أن يتركَ للعدوِّ بابًا للهربِ منها
وقد كان عمر يقولُ : لعمري هذا هو النَّصر !
كان يُعجبه في القائد أن يحقنَ دماء جنده وأعدائه إن استطاع !
أن يصل إلى غايته دون دمّ
هذه حقيقة يجب أن لا تغيب عن القادة حتى وهم في ساحات الوغى
ليعتبروا بحفاظ إبراهيم عليه السّلام على نفسه
وبدهاء عمرو وثناء عمر !
من كتاب : مع النَّبي / أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
الفيل والإيلاف...
عندما تكون في داخل " الحدث" لا يمكنك فهمه وإدراكه تماما.. تحتاج إلى مرور بعض من الوقت لمزيد من الفهم الكامل، خاصة مع "عواقب" هذا الحدث ونتائجه على المدى البعيد..
وكلما كان الحدث كبيرا، مرتبطا بأحداث متشعبة ومتداخلة، احتجت مزيدا من الوقت لفهمه حقا..يمكننا أن نقول عن حدث ما، أنه سيغير التاريخ، وربما نتوقع بعض النتائج...لكن الصورة الكبيرة لن تفهم إلا لاحقا..
هكذا تنزلت سورتي الفيل والإيلاف، لتلفت انتباه الناس يومها إلى أحداث مرت عليها مدة طويلة، لكن ربما لا يمكن فهمها إلا بعد مرور هذا الوقت..
كانت واقعة الفيل قد وقعت قبل أكثر من 40 عاما من نزول السورة.
والواقعة كانت حدثا كبيرا مهما بالنسبة لأهل مكة والعرب عموما دون شك، بل أنهم أرخوا لأحداثهم بها، وهذا طبيعي، فالغزو كان نادرا وغير مسبوق، ونتائجه كانت أيضا غير متوقعة.
لكن هل كان الناس الذين عاشوا الحدث، يتخيلون كيف أن العواقب والنتائج ستغير العالم بالتدريج؟
إنهيار جيش أبرهة في مكة شجع الفرس إلى الهجوم على اليمن واحتلالها مجددا وطرد الأحباش منها ، وهو ما عده البيزنطييون نقضا لمعاهدة الخمسين عاما بالإضافة إلى أحداث أخرى متفرقة.
كان ذلك مؤشرا باندلاع حرب دامت قرابة العشرين عاما بين الامبراطوريتين بين 572 و 591 ميلادية...أي بعد سنة واحدة فقط من عام الفيل.
وقد مهدت هذه الحرب لحرب أخرى لاحقة ، ستنهك الطرفين على نحو يسهل لقوة جديدة ثالثة أن تكسرهما معا..
كل هذه الأحداث – متسلسلة ومتداخلة- كانت أكبر بكثير من " الحدث الأصلي" على أهميته..
وهنا تأتي السورة لتبني الوعي: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل؟
فعل الرب هنا لا يمكن حصره على الواقعة المنفردة وتفاصيلها، بل في كل "نتائجها" التي ما كان يمكن فهمها فورا ( بل ولا يمكن فهمها كاملة إلا بعد أن هزمت الأمبراطوريتان الساسانية والبيزنطية على أيدي المسلمين، أي بعد قرابة خمس وعشرين عاما من نزول السورة، لأن ما " فعله ربك" كان لا يزال يتمدد وينتشر، ويسقط قطع دومينو أخرى وأخرى..)
ألم يجعل كيدهم في تضليل؟ جاء أبرهة ليتوسع، فكانت النتيجة ليست هزيمته فحسب، بل هزيمة حلفائه وأعدائه...
كم مرة نقول " انقلب السحر على الساحر" على أحداث تاريخية..كم مرة نقول أن حماقات " فردية" نهمة للتوسع كانت وبالا على أصحابها وأهلهم وبلادهم..هل نحتاج إلى أمثلة ( معاصرة) أم الإشارة تكفي؟
طيور أبابيل. حجارة من سجيل. عصف مأكول. ووباء الجدري يفتك بالبقية الباقية بعد كل هذا. ربما يكون نتيجة لحجارة السجيل أو من نتائجها. التفاصيل قد لا تكون مهمة كثيرا هنا. المهم أن نفهم " فعل الله" ..
*
ماذا عن سورة قريش؟
ترتبط السورتان مع بعضهما. بل أن بعض الأقوال تقول أنهما سورة واحدة. وكثير من المفسرين جعلوا من بداية السورة ( لإيلاف قريش) جواب لخاتمة سورة الفيل ( فجعلهم كعصف مأكول).
ما هي الإيلاف؟ هي باختصار معاهدات تجارية كان هاشم بن عبد مناف بن قصي ( الجد الثاني للرسول عليه الصلاة والسلام) قد رتبها مع القبائل التي تمر القوافل التجارية في مناطقها وذلك مقابل نسبة من أرباح هذه القوافل.وكانت هذه الاتفاقيات تضمن سلامة القوافل بحيث لا تكون متأثرة بالحروب بين الحميرين والأحباش جنوب الجزيرة، أو حروب الوكالة بين الساسانيين والبيزنطيين في شمال الجزيرة، ولا بقطع القوافل من قبل قطاع الطرق....) بداية الإيلاف كانت في أواخر القرن الخامس الميلادي، لكن نتائجها وآثارها الإيجابية لم تظهر فور عقد أولى الاتفاقيات، بل بانضمام مزيد من القبائل بالتدريج، وربما أهمية الإيلاف على مركز مكة التجاري لم تظهر إلا بعد عقود، وربما كان ذلك كله من الأسباب الخفية لرغبة أبرهة بهدم الكعبة..أن يزيح مركزا اقتصاديا مهما قد يتحول إلى مركز قوة في أي وقت..
بكل الأحوال: الإيلاف جلبت الأمن والرخاء لمكة. من عقدها؟ هاشم وأخوته.قريش عموما.
نعم..لكن بعد مدة، عندما تنظر من بعيد إلى الأحداث، ترى مجددا "فعل الله" . ترى لمحة من الخطة ..الصورة الكبيرة...بعض ما يحدث من اتفاقات أو معاهدات نمر مرور الكرام عليها في عناوين الأنباء، لكن بعد سنوات سنرى نتائجها قد تدخلت في حياتنا الشخصية، وتصير جزءا من مناقشات كل بيت وكل أسرة ، سلبا أو إيجابا..
رحلة الشتاء والصيف لقريش هي مثل بحثك المستمر عن الأمن والأمان. الشبع والكرامة. خلال ذلك قد تعقد معاهدات أو تستخدم ما هو موجود من قوانين..أو تساهم في سن قوانين جديدة..
كل أفعالنا البشرية، تصب في الصورة الكبيرة...
#قصار_السور_العمري
#أحمد_خيري_العمري
على منهاج النُّبُوَّة ٥٥
فأين دِرْعُكَ؟
غالى النَّاسُ في المُهور في خلافة عُمر بن الخطاب، فأرادَ أن يضعَ حداً للأمر، فصَعِدَ المنبر، ثم خطبَ الناس، وأخبرهم أنه يُريدُ تحديد المُهور، فقامتْ الشفاء بنت عبد الله وقالتْ له: لا يحِلُّ لكَ يا أمير المؤمنين، فإن الله قال: "وإنْ أردتم استبدال زوجٍ مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً" فكيف تُريدُ أن تُحدِّدَه أنتَ؟!
فقال عُمر: أصابتْ امرأةٌ وأخطأ عُمر!
الشَّاهدُ في الحديث أنَّ المهر مهما كان مُرتفعاً فهو ليس حراماً، ولكن المُغالاة في المُهور بخلاف السُّنة النبوية الشريفة، وهذا الذي دفعَ عُمر إلى مُحاولة تحديده، لأنه يعلمُ بفطنتِهِ السياسيةِ، وحِنكتِهِ الاجتماعية، أثر المُغالاة في المُهور على زواجِ الشباب، وبالتالي العواقب الوخيمة على الأفراد والأُمَّة بسبب تأخُّر الشباب والبنات في الزواج!
عندما خطبَ عليٌّ بن أبي طالب فاطمة من النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ووافقَ عليه الصلاة والسَّلام على هذه الخطبة، قال لعلي: أعطِها شيئاً!
فقال علي: ما عندي من شيء!
فقال له النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: فأينَ درعكَ؟
قال: هي عندي!
فقال له: فأعطِها إياه!
هذا هو مهر بنتُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلُّم، وسيدةُ نساء أهل الجنة، دِرع!
وما يفعله الناسُ اليوم من المُغالاة في المُهور، وتكليفِ الخاطب فوق ما يُِطيقُ ليس من سُنة النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شيء، ويعتقِدُ الأهلُ خطأً أن رفع المهر هو رفعٌ من قيمة البنت، وهو في الحقيقة فوقَ أنه بخلاف هدي النُّبُوَّة، فهو تسليع للبنات ونوع من التجارة بهنَّ!
وعندما زفَّ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم فاطمة إلى علي، بعثَ معها ثوباً، ووسادةً من جلد محشوة بالليف، ورحى لتطحن حبوبها، وقربةً لتستقي بها الماء، وجرَّتين واحدة للماء وواحدة للخل!
وٱنظُرْ لفعلِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في زواجِ ابنته، فهو لم يُيَسِّرْ المهر على عليٍّ فحسب حين الخطبة، وإنما شاركَ في جِهازها لما يعلمُ من فقر صِهره!
لهذا فإنَّ مساهمة الأهل في جهاز ابنتهم اتِّباعٌ للسُّنة المُطهرة، وإرساءٌ لمبدأ التكافل والتراحم بين الناس، وهو من المعروف الذي يُثمر عند الصهر إذا كان أصيلاً، وكم من الأزواج صبروا على زوجاتهم كُرمى لعين أهاليهنَّ لما رأوا فيهم من حُسن الخُلق وتيسير أمر الزواج، فالخاطب هو في أغلب الأحوال شابٌّ في مُقتبل العمر، حديثُ عهدٍ بوظيفة، ويله مساعدة أهلهِ، وويله تأمين أمور زواجه، فإن كان الأهلُ في حالةٍ ميسورةٍ فالسُّنة المُساهمة، وإن لم يُساهموا فعلى الأقل أن لا يتطلَّبوا!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
#أدهم_شرقاوي
سورة المسد
من بين كل الشخصيات التي عادت الرسول عليه الصلاة والسلام، يقف أبو لهب كالشخص الوحيد الذي ذكره القرآن بالاسم، وبسبب قصر السورة وسهولة حفظها، فهي من أكثر السور تكرارا في الصلاة..وهذا يجعل من أبي لهب "حاضرا" بكثافة سلبية في أذهاننا..
ما الذي فعله أبو لهب أكثر من بقية أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام حتى يدخل التاريخ كواحد من أهم رموز الشر والكفر؟
مبدئيا، كونه " عم الرسول" كان نقطة مهمة في استحقاقه لهذه المكانة. لا مجاملات في هذا الأمر. علاقة القرابة لم "تلطف" مكانة أبي لهب وموقفه ولم تغض النظر عنها أو تتجاوزها. الأمر مهم حتى اليوم، وكان مهما أكثر في ذلك الزمان، لم يكن موقف أبي لهب موقف أي كافر عادي من كفار قريش، بل كان عدائيا سفيها في عداوته، لم يتورع عن السباب العلني للرسول الكريم في محافل قريش، وهذا شجع آخرين – من عشائر آخرى- على المضي في ذلك..إذا كان عمه لم يسنده ويتحدث عنه هكذا..فما الذي يمنعنا نحن؟
قائمة مواقف أبو لهب من الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقف عند موقفه الشهير يوم قال للرسول " ألهذا جمعتنا؟ تبا لك!" ، بل تتعدى ذلك إلى تطليق بنتي الرسول رقية وأم كلثوم من ابنيه عتبة وعتيبة، وقيام زوجته أم جميل بنت حرب ( أخت أبو سفيان بن حرب) بالنميمة وحمل حطب الوقيعة ضد الرسول، وهجائه وتسميته " مذمم"..
وعندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقابل وفود العرب لدعوتهم كان أبو لهب يسير خلفه ليسيء له ويقول لهم : لَا يَصُدَّنَّكُمْ هَذَا عَنْ دِينِ آلِهَتِكُمْ أو إنه صابئ كاذب، وعندما يأتي هذا الكلام من عمه، فالأمر بالنسبة للعرب كما لو كان رفضًا وطعنًا من أقرب الناس له.. المنطق السائد كان يفترض أنه لو كان صادقًا لكان قومه وعمه أول من صدق وآمن به..
لكن موقفه الأكثر إثارة للتعجب هو موقفه من حصار قريش لبني هاشم وبني المطلب، قريش حاصرت مؤمنهم وكافرهم، الاستثناء الوحيد من الحصار كان أبو لهب لشدة عداوته للنبي عليه الصلاة والسلام..فكان أبو لهب يحرص على أن لا يدخل الطعام إلى قومه..وعندما كانت قوافل العرب تأتي في موسم الحج، كان أبو لهب يشتري الطعام منهم بأسعار مضاعفة كي لا يتمكن المحاصرين من شرائها..
كان يمكنه أن لا يفعل شيئا أمام الحصار. يترك قريش تنفذه. لكنه كان يحرص على المزيد من الأذى لقومه..
هذه السفالة لا يمكن أن تصدر عن مجرد موقف " رافض" للدين الجديد..أو حتى عداء للنبي عليه الصلاة والسلام..
هناك شيء ما في نفسية هذا الشخص...
ينقل ابن هشام في سيرته: أَنَّ أَبَا لَهَبٍ لَقِيَ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ، حِينَ فَارَقَ قَوْمَهُ، وَظَاهَرَ عَلَيْهِمْ قُرَيْشًا، فَقَالَ: يَا بِنْتَ عُتْبَةَ، هَلْ نَصَرْتِ اللَّاتَ وَالْعُزَّى، وَفَارَقْتِ مَنْ فَارَقَهُمَا وَظَاهَرَ عَلَيْهِمَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا يَا أَبَا عُتْبَةَ.
أبو لهب يذهب إلى هند بنت عتبة ليسألها، كما لو كان يسترضيها، كما لو كان يريد أن يتأكد أن ما يفعله يجعل قريشًا راضية عنه.
ممكن أن يفسر هذا بسيطرة زوجته أم جميل أروى بنت حرب بنت أمية عليه. وهذا وارد طبعًا. أم جميل كانت أخت أبي سفيان وكانت تتحدث عن كونها بنت سيد قريش "قَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ أَنِّي بِنْتُ سَيِّدِهَا" لذا فدعوة الإسلام قد تفسر من قبلها بكونها جزءًا من التنافس على الزعامة بين بني عبد شمس وبني هاشم، وهي منحازة لبني عبد شمس دون أي تحفظ ودون اكتراث لزوجها الهاشمي وأولادها الهاشميين.
حسنًا، ممكن أن يكون أبو لهب ضعيفًا أمام زوجته وأن تكون زوجته متسلطة وظالمة.
هذا سيبرر موقفه المعادي للرسول والرافض له، لكنه لن يبرر مزايداته في ذلك ومغالاته في العداء والتخلي عن كل قومه.
وأيضًا لن يبرر مواقفه المبالغة في علنيتها... يريد أن يرضي زوجته، ممكن، فلماذا هند بنت عتبة أيضًا؟
ثمة شيء أعقد في أبي لهب، ربما بدأ قبل كل هذا بفترة طويلة.
******
قبل أن يسود عبد المطلب على مكة، حدث نزاع بينه وبين أعمامه من بني نوفل على بعض الساحات التي كان يملكها، ونصرت قريش بني نوفل ضده..وهذا جعل عبد المطلب يتحالف مع قبيلة خزاعة ضد كل قريش...
الحلف عقد في دار الندوة، وكان نص العقد يشير صراحة إلى تحالف بين بني عمرو (خزاعة) وعبد المطلب بن هاشم ضد كل من سواهم، أي ضد كل العرب! ولأن قبيلة خزاعة كانت كبيرة، فقد رضخت قريش لعبد المطلب وكان الحلف تكريسا لسيادته على قريش..
علقت وثيقة الحلف في الكعبة، في تحدٍ واضح لكل قريش.
ويوم الحلف، وتأكيدًا لمعانيه، تزوج عبد المطلب من ابنتي سيدين من سادة خزاعة، الأولى هي لبنى بنت هاجر بن ضاطر، والثانية ممنعة بنت عمرو بن مالك بن مؤمل الحبتري .
ممنعة أنجبت له ابنه مصعب، وغلب عليه اسم الغيداق، وتوفي صغيرًا.
أما لبنى فقد ولدت له ابنه عبد العزى.
الشهير بأبي لهب.
********
ولد أبو لهب نتيجة لحلف أبيه مع خزاعة ضد كل قريش، لم يستطع على ما يبدو أن يتخلص من هذا.
لم يستطع أن يتخلص من فكر
ة أن قريش تفكر به باعتباره تذكارًا لحلف عبد المطلب مع خزاعة ضد كل قريش. لم يستطع على ما يبدو التخلص من فكرة أنه كان ذكرى لانتصار أبيه على قريش، وإذلاله لهم.
عاش حياته كلها ليثبت لهم العكس، ليثبت إخلاصه لهم.
وعندما جاء محمد عليه الصلاة والسلام بدعوته، كانت الفرصة له لكي يثبت ذلك.
وقف ضده، أهانه علنًا، أجبر ابنيه على طلاق ابنتي محمد. بالغ في عدائه كما لو كان يقول لقريش: أترون؟ أنا معكم. أنا لست معهم.
وتخلى عن كل عشيرته وهم في الحصار، جالبًا لنفسه عار نقص النخوة والرجولة بين العرب.
وزايد في السعر على لقمة تدخل إلى عشيرته...
كل ذلك كرد فعل نفسي على شعوره العميق بالخزي تجاه تحالف عبد المطلب مع خزاعة ضد قريش.
هذه كلها احتمالات تفسر موقف أبي لهب المبالغ في العداء، المبالغ في الاسترضاء لقريش.
****
أخطر الأعداء هو هذا القريب الذي يتحرك عداؤه من شعور النقص والرغبة في إرضاء الآخرين...التنافس مفهوم.التمسك بالقديم مفهوم. رفض فكرة جديدة مفهوم حتى لو كانت واضحة وضوح الشمس.
لكن عندما يكون الرفض والعداء ناتجا عن مشاعر ترفض فيها نفسك أصلا...فالأمر لا يمكن أن يقابل إلا بحسم قاطع..
تبت يدا أبي لهب وتب!
من "السيرة مستمرة" بتصرف كبير
#قصار_السور_العمري
#أحمد_خيري_العمري
مع النَّبي ١٤ : الذي قتل مئة نفس !
روى مسلم في صحيحه أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال :
كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتلَ تسعةً وتسعين نفسًا
فسألَ عن أعلمِ أهل الأرضِ، فدُلَّ على راهبٍ
فأتاه فقال : إنه قتلَ تسعةً وتسعين نفسًا فهل له من توبة ؟
فقال : لا
فقتله، فكمَّلَ به مئة !
ثم سألَ عن أعلمِ أهلِ الأرض، فدُلَّ على رجلٍ عالمٍ
فقال : إنَّه قتلَ مئةَ نفسٍ فهل له من توبةٍ ؟
فقال : نعم، ومن يحولُ بينَه وبينَ التوبة
انطلقْ إلى أرضِ كذا وكذا
فإن بها أناسًا يعبدون اللهَ فاعبد اللهَ معهم
ولا ترجعْ إلى أرضكَ فإنها أرض سوء
فانطلقَ حتى إذا نصفَ الطريق أتاه الموت
فاختصمتْ فيه ملائكةُ الرَّحمةِ وملائكةُ العذابِ
فقالتْ ملائكةُ الرَّحمةِ : جاءَ تائبًا مقبلًا بقلبِه إلى الله
وقالتْ ملائكةُ العذابِ : إنه لم يعملْ خيراً قط
فأتاهم مَلَكٌ في صورةِ آدميٍّ، فجعلوه بينَه
فقال: قيسُوا ما بين الأرضين، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له
فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرضِ التي أراد
فقبضتُه ملائكةُ الرَّحمة
الدَّرْسُ الأوَّل :
إذا أشكلَ عليكَ أمرٌ في دينكَ فاقرعْ بابَ العَالِمِ لا العابدِ
عبادةُ العابد لنفسه وجهلِه للنَّاسِ
وتقصيرُ العالم في العبادة على نفسِه وعلمه للنَّاسِ !
إذا مرضَ أحدُنا قرعَ بابَ الأطبَّاءِ
وإذا تَلِفتْ سيَّارتُه سألَ عن أمهرِ ميكانيكيٍّ
وإذا أراد تفصيلَ طاولةٍ بحث عن نجَّارٍ فذّ
وإنَّ الدِّين أغلى من كل ما سبقَ فنأخذه من أهله
ليس كلُّ روَّاد المساجدِ علماء فقهاء
العبادةُ أمرٌ محمود ولكنها شيء، والعِلمُ شيء آخر
حتى الصَّحابة لم يكونوا جميعاً أهل فتوى
وإنما كانوا يتمايزون
فهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه أقرأُ الصَّحابة لكتابِ اللهِ
وهذا معاذُ بن جبل رضي الله عنه أعلم الصَّحابةِ بالحلال والحرام
وعندما أراد الصِّديقُ رضي الله عنه جمع القرآن ومن بعده عثمان
أوكلوا الأمر لأبيّ بن كعبٍ لا إلى خالد بن الوليد
وعندما أرادَ خوضَ حروب الردة ولّى على المسلمين خالداً رضي الله عنه
إنَّ هذه الدُّنيا اختصاص، ولكلِّ عِلمٍ أهله
وعندما جاءَ الزِّبرقانُ بن عديّ إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما
يشكُو إليه أنَّ الحُطيئة قد هجاه قائلاً :
دع المكارمَ لا ترحلْ لبُغيتها
واقعدْ فإنك أنتَ الطاعمُ الكاسِي
قال له عمر على ضلوعه في الشعر: ما أرى فيه هجاءً
فقال له الزبرقان : أيكون حسبي من المكارم أن أُطعم وأُكسى ؟
فأراد عمر رضي الله عنه أن يتثبت
فلم يرسلْ في طلب أُبيّ وهو أقرأُ الصحابةِ لكتاب الله
ولا إلى ابن عباس وهو ترجمانُ القرآن
ولا إلى معاذٍ وهو أعلمُ الناس بالحلال والحرام
ولا إلى أبي هريرة وهو أكثرُ الصحابة رواية للحديث النبوي
وإنما أرسلَ في طلبِ حسَّان بن ثابت
لأنَّ القضية شِعر وأهلُ الفتوى فيها هم الشُّعراء
فقال حسان : لم يهجه فقط، بل ذرقَ / بال عليه
كناية عن شدّة الهجاء
فحبس عمر رضي الله عنه الحُطيئة !
الدَّرْسُ الثّاني :
من قال : الله أعلم، فقد أفتى !
فلا تتحرجْ أن تقول الله أعلم إذا لم تعرفْ حُكم مسألةٍ
فلا تحملْ وزرَ النَّاسِ لأنكِ خجلتَ أن تقولَ اللهُ أعلم
وها هو الشعبيُّ المُحدِّثُ العالمُ والفقيه والقاضي
يُسألُ عن مسألةٍ، فيقول : الله أعلم
فقالوا له : أما تستحي أن تقولَ الله أعلم وأنت فقيه العراق ؟!
فقال: إن الملائكة لم تستحِ يوم قالت :
" سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا " !
وها هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة
الذي كان يقال فيه، لا يُفتى ومالك في المدينة
جاءَه رجلٌ من العراق بأسئلةٍ
فأجابَ عن بعضها، وسكتَ عن بعضها الآخر
فقال له الَّرجلُ : ماذا أقولُ لأهل العراق يا مالك ؟
فقال له : قلْ لهم إنَّ مالكاً لا يعلم !
الدَّرْسُ الثَّالث :
إياكَ أن تعتقد أن ذنبكَ مهما عظُم فهو أعظمُ من رحمةِ الله
إنَّ الشَّيطانَ لا يريد منكَ إلا هذه !
يريدُ أن يُكبِّر الذنبَ في عينيكَ ويصغّرَ رحمة الله
ورحمة الله أوسعُ من ذنبك، كُنْ على ثقةٍ بهذا
هذا رجلٌ قتل تسعةً وتسعين إنساناً ثم قرر أن يتوب
فانتكسَ مُجدداً وأكملَ ضحاياه على المئة
ثم لمَّا علم اللهُ في قلبه خيراً هيَّأ له سبب التوبة
وقد صَدقَ الله، فصدقه الله
حملَ زاده ومتاعه وارتحل، فجاءه الموتُ في الطريق
وفي روايةِ البخاريِّ أن الملائكة لما قاسوا المسافة
كان الرَّجلُ في وسطِ الطريق تماماً
فأوحى اللهُ إلى الأرضِ أن تقاربي حتى كان أقرب لبلد الصالحين !
هذا التائبُ في حقيقة الأمر لم يكن إلا سفَّاحاً
يقتلُ عند أهون سببٍ، وقد قتلَ رجلاً لم تعجبه فتواه
وليس بعد الشِّركِ ذنب أعظم من القتل، وقد تاب الله عليه
فلا علاقاتك المحرمة أكبر من رحمة الله
ولا قبولك الرَّشوة أكبر من رحمة الله
ولا شربكَ الخمر أكبر من رحمة الله
وانظرْ إلى الصَّحابة الذين عاصروا البعثة الشريفة كيف كانوا قبلها
هذا عمر خرج ليقتلَ رسول الله صلى الله عليه وسلّم
وهذا عكرمة أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه يوم الفتح
وهذا خالد قلبَ نصر المسلمين هزيمة يوم أُحد
ثم انظرْ إلى رحم
ةِ الله
عمر يملأ الأرضَ عدلاً ورحمة
وعكرمة شهيدُ اليرموكِ وقائد الميمنة
وخالد سيف الله المسلول الذي أدّبَ به أبو بكر الروم وفارس
والناسُ معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا
وما زلنا نرى ونسمع في عصرنا عن أشخاص
كانوا من أشرس أعداء الإسلام فصاروا بالتوبة أشرس المدافعين عنه
فإن عُرفتَ في المعصية
فما زال الباب مفتوحاً لتُعرفَ بالطاعة
الدَّرْسُ الرَّابع:
لا تقفْ بين النَّاسِ وبينَ الله !
النَّاسُ يحتاجون لمن يأخذُ بأيديهم إلى الله
فلماذا تدفعهم عنه !
حدّث العصاةَ عن رحمةِ اللهِ قبلَ عذابه
وعن عدلِه وعفوِه قبل انتقامِه
في الجنَّةِ متسعٌ للجميعِ فلا تقلقْ على مكانك !
عامل العصاة بالرحمة واشفقْ عليهم
يرى النبيُّ صلى الله عليه وسلم راهباً يقومُ الليلَ على دين باطل
فيبكي...
ويُسألُ : ما يُبكيكَ يا رسول الله؟
فيقول : عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية !
لم يسرُّه أن يدخلَ رجلٌ النَّارَ وهو على دينٍ آخر
فهل يسره أن يدخلها رجلٌ من أهلِ الإسلام
ويدخل على يهوديٍّ في سكراتِ الموت فيدعوه فيُسلم
فيقول : الحمدُ لله الذي أنقذه بي من النار !
إنَّ أحبَّ عباد اللهِ إليه أشدّهم تحبيباً لعباده إليه !
ألا يكفي الناس ذنوبهم التي أحاطت بهم، وشياطينهم التي تسلطت عليهم
حتى نكون نحن أيضاً عليهم
يقومُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الليل كله في آية :
" إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم "
فيخبره ربه أننا سنرضيكَ في أمتك
هذه الرحمة يجب أن نضعها نُصبَ أعيننا
وأن نكره الذَّنبَ لا المُذنب !
وفي الحديث: أن نبياً ضربه قومه فأدموه
فأخذ يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون !
الدَّرْسُ الخامس :
الموتُ يأتي بغتة
فصاحبُنا ماتَ في الطَّريقِ وما ظنّ وهو يمشي أن يموت
ولكن ما أحلاها من موتةٍ وما أحلاها من طريق
ماتَ في الطريق إلى الله !
اجعلْ حياتكَ سَفراً إلى الله، ثم ما ضرك متى تموت !
وانظر حولكَ كم زرعٍ ما عاشَ صاحبُه ليحصده
وكم بيتٍ بُني ما عاش صاحبُه ليسكنه
وكم مقعدٍ دراسيٍّ مات صاحبه وما تخرَّجَ منه !
كم طفلٍ دفنتَ، وكم صغيرٍ شيعتَ
كم فتاةٍ كالبدرِ حُسناً ، حُملت إلى القبر لا إلى عريسها
لا تقلْ غداً أتوب
فإنَّ غداً قد لا يأتي عليك
وكل الذين ماتوا منذ ساعة ، اعتقدوا مثلنا أنهم لن يموتوا !
الدَّرْسُ السَّادس :
النوايا مناطُ قبول الأعمال
النِّيةُ وحدها ترفعنا عالياً وإن لم نعملْ !
أصابتْ مجاعةٌ بني إسرائيل زمنَ موسى عليه السلام
فنظر فقير إلى الجبال وقال :
اللهم إنكَ تعلمُ أنَّه لو كان لي مثل هذه الجبالِ ذهباً لأنفقتُها على عبادك
فأوحى الله إلى موسى أن قُلْ لعبدي أنّا قبلنا منه صدقته !
والنِّيةُ وحدها تحطنا وإن عملنا
فهذا ابن سلول يصلي الفجرَ جماعةً خلفَ رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو في الدَّركِ الأسفلِ من النار !
أصلِحْ نيتك تصلُح أعمالك
وإياك أن تكون كمن يزرعُ قمحاً في البحر فلا يناله إلا الجهد
وما له في كل هذا من أجر !
من كتاب : مع النبي / أدهم شرقاوي
#أدهم_شرقاوي
مريم، يا مريم...
كيف مررتِ بكل هذا؟
كيف احتملتِهِ؟ كيف تماسكتِ؟ كيف صمد صمودكِ؟!
كيف استطعتِ أن تفعلي ذلك منذ أن عرفتِ حتى النهاية؟
من أي شيء أنتِ يا مريم؟ بأي شيء عُجِنَ طينكِ الأرضي حتى أصبحتِ بهذه القوة؟
يا مريم، لا يستطيع رجل أن يفهم هذا، لا يستطيع أن يتصوره.
لكن المرأة تستطيع، المرأة تستطيع أن تفهم ذلك.
وتشعر بكِ يا مريم.
****
سورة مريم هي عن «المرأة الخارقة»، لكنها ليست خارقة بالمعنى الهوليوودي للكلمة، إنها عن المرأة الخارقة التي يمكن أن نراها كل يوم، ويمكن نتعامل معها كل يوم، بل ربما عشنا معها طيلة حياتنا.
لماذا هي خارقة ما دامت منتشرة هكذا؟ ببساطة لأن «الرجال» لا يستطيعون تحمُّل ما تتحمله المرأة «الخارقة»؛ لذلك عندما يفكرون ويقيِّمون ما تفعله؛ يكتشفون أنها خارقة «بالنسبة لهم»، رغم أن مفاهيم القوة احتُكِرَت للرجل لفترة طويلة، إلا أن هناك نوعًا من القوة لا يطيقها الرجل، ليست ضمن مجال احتكاره، بل هي محتكرة للمرأة، هذا النوع من القوة التي جعلتها مؤهَّلة لتحمُّل آلام الولادة، هذا الجَلَد والصبر الذي يجعلها قادرةً على تحمل أعباء العناية بطفلها، وأحيانًا بعدة أطفال، بالإضافة إلى أكبرهم وربما أصعبهم؛ زوجها.
وهذا كله بالإضافة إلى البيت ومتطلباته، وربما وظيفة لا تقل إرهاقًا عن وظيفة زوجها، تركض هذه المرأة بين عدة جبهات وتنتصر فيها جميعًا، وقد تكون مريضة أو نُفَسَاء أو مرضع أثناء ذلك، ولكن كل شيء يسير غالبًا حسب المعتاد، دون أن ينتبه أحد أصلًا لها، بينما قد يدخل المنزل في حالة طوارئ إذا أصيب الرجل بالزكام.
لا أقول: إن السيدة مريم كانت خارقة بهذا المعنى، لا، هي أعلى بكثير من هذا الخارق «الموجود»، لكن من هذا الباب دَلَفَتْ مريم إلى ألمها، وأيضًا إلى مجدها.
مريم اختزنت كل آلام نساء العالم، وكل صبرهنَّ وجلدهنَّ، هي ممثلة عنهنَّ جميعًا، تنوب عنهنَّ وقد تقطرت كل تجاربهنَّ ومعاناتهنَّ عبرها.
منذ أن وُلِدَت مريم وهي منذورة لكي تثبت أن المرأة يمكنها أن تقوم مقام الرجل، كما جاء في سورة آل عمران:
{إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ}.
أمها كانت تريد ذَكَرًا تهبه لله حسب التشريع اليهودي، لكن مريم أنثى، ومن تلك اللحظة كان على مريم أن تثبت ما على ملايين، مئات الملايين من النساء، أن يُثْبِتْنَهُ، ليست الأنثى أقل من الذَّكَر، هي ليست كالذَّكَر، لكنها ليست أقل منه، ويمكنها أن تقوم بالكثير مما يمكنه هو أن يقوم به، كما يمكنها أن تقوم هي بما لا يمكنه هو أن يفعله.
هذا التحدي يواجه الكثير من الإناث على نحوٍ يجعل حياتهنَّ بأسرها مبرمجة على أساسه، قصة يبدو أنها لن تنتهي منذ فجر التاريخ، تدخل المرأة في دور المرأة الخارقة التي تحارب وتنتصر على كل الجبهات.
كانت لا تزال جنينًا في بطن أمها يوم بدأ التحدي، لم يكن من المعتاد تقديم الإناث للخدمة الدينية، وكان الفرض في الشريعة عندهم تقديم الطفل الأول إذا كان ذَكَرًا وليس أنثى، ولكن أمها كانت نَذَرَتْهَا وأَوْفَتْ بالنذر، وكان على مريم أن تقوم مقام الذَّكَر، وأبْلَتْ في ذلك بلاءً خارقًا، بل أكثر من ذلك، قامت بدور ما كان يمكن لذَكَرٍ أن يفعله.
قد يتخيل الرجال ما مرت به السيدة مريم، لكني أعتقد أن خيالنا يبقى قاصرًا مقابل ما يمكن أن تفهمه المرأة من ذلك، أن تكون شريفة لم يمسسها بشر في بيئة شديدة التدين والمحافظة، ثم أن تُبَلَّغَ بالخبر الصاعق: حُبْلَى.
الخوف، العار، القيل والقال، الفضيحة، التكذيب، العار، العار.
كل هذا وأوجاع الحمل التقليدية أيضًا.
وهي بمفردها.
نستطيع كرجال أن نتخيل، لكني أعتقد أن الصورة في أذهان النساء ستكون أوضح وأدق.
****
من "القرآن نسخة شخصية.."
لتحميل الكتاب
https://www.booksjuice.com/books/1335
#أحمد_خيري_العمري
سورة العلق
كل شيء بدأ من هناك.. لا يمكن لنا أن نقرأها دون أن نقرأ فيها تلك البداية.
مشهد الغار المهيب . السكون والصمت. ثم الوحي يأتي بتلك الكلمة.
اقرأ.
لا يمكن لنا أن نقرأها دون أن تستعيد كل شيء. كما لو أنا كنا هناك. كما لو أن المشهد أصبح جزءا من ذاكرتنا الجمعية. كلما قرأنا السورة أخذنا " فلاش باك" فوري إلى ظلمة الغار التي تسرب منها النور إلى العالم.
عند اقرأ سنتذكر النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول ما أنا بقارئ، نقف خلفه كما لو أننا نريد أن نحتمي به ونحن نرتجف من هول الموقف. لحظة اللقاء الأول بالوحي. سنحبس أنفاسنا بينما الوحي يحتضنه عليه الصلاة والسلام، ثم نتنفس الصعداء مجددا عندما يطلقه، ويقول الكلمة مجددا: اقرأ.
ثم يحتضنه مجددا.ونحبس أنفاسنا مجددا..ثم نتنفس الصعداء كما لو أن العالم كله قد حبس أنفاسه معنا...
ثم تأتي بقية الآيات مثل شلال من نور يغمرنا فجأة..اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم.
نكاد نسمع دقات قلبه بعد أن انتهى ذلك الزلزال المبين. نتلمس خطواتنا ونحن نخرج خلفه من الغار. ينزل من الجبل. نتتبع صوت دقات قلبه كما لو أنه ينبض بالنيابة عن البشرية بأسرها..
نعرف جيدا أين يريد أن يذهب. في أعماق أعماقنا نريد أيضا أن نذهب هناك. إلى الأم التي نهرع إلى حضنها المضمون دائما. إلى التي دائما كل الحلول. نصل ونحن نلهث خلفه. نقف خلف الباب لننصت.
يقول أنه قد خشي على نفسه. يقول لها: يا خديجة مالي؟. نكاد نقتحم لنقول له ما يطمئه عليه الصلاة والسلام. لكن سيدة الحكمة تأخذ كل الكلام. تقول له ما يطمئنه، ويطمئننا أيضا. ثم تذهب به إلى ورقة بن نوفل...ويقول له ما يقول..ونحن لا نزال ننصت خلف الباب..
كل ذلك قد حفر في ذاكرتنا كما لو أننا قد حضرناه. لا يمكن أن نقرأ السورة دون أن نستحضره في أذهاننا كما لو كان حلما قد رأيناه في الليلة الماضية. أو في حلم من أحلام الطفولة. يحضر كل شيء مختصرا مكثفا في ثانية. أو في وحدة قياس زمنية لا نعرفها بالضبط.
اقرأ باسم ربك ؟ نقرأ ماذا؟ سنعرف لاحقا أن كل ما سيلي من الآيات، كل السور، ستكون ضمن ما ورد في هذه الاية الأولى. كل القرآن، علينا أن نقرأه " باسم ربك الذي خلق"...أول علاقتنا به أنه خالقنا من شيء كالعدم، وأول كلمة يقدمها لنا في تعريفه بنفسه عز وجل وهو الغني عن التعريف هي : اقرأ...
يقول لنا أن نقرأ القرآن..والعالم..والكون، من خلال هذا المنظار..من خلال اسمه..الخالق..الأكرم..الذي علم بالقلم...بين اقرأ وبين " الذي علم بالقلم" علاقة واضحة. فالقراءة بهذا المعنى عملية منتجة، ومن نتاجها " القلم" والتعلم بالقلم...
" كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7)
ولقد رأينا ذلك دوما. الإنسان يطغى، عندما يزداد في المال والثروة. وأيضا عندما " يستغني" عن القراءة من خلال اسم ربك الذي خلق. عندما يفصل القراءة عن أي مبدأ مسبق أو قيمة مطلقة..رأينا ذلك كثيرا. رأينا نتائج أن لا تكون هناك قراءة من الأساس...وعندما تكون هناك قراءة من دون " اسم الله"..
رأينا، ودفعنا جميعا – ولا نزال ندفع- ثمنا باهظا..
ولكن نفس السورة التي بدأ فيها كل شيء تقول لنا:
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)
#قصار_السور_العمري
#أحمد_خيري_العمري
على منهاج النُّبُوَّة ٥٦
فإني أتكشَّفُ!
قال عبد الله بن عباسٍ لتلميذه عطاء بن أبي رباح: ألا أُريكَ امرأةً من أهل الجَنَّة؟!
فقال: بلى!
قال: هذه المرأة أتَتِ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقالت: يا رسول الله، إني أُصرَعُ، وإني أتكشَّفُ، فادعُ اللهَ لي!
فقال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجَنَّة، وإن شئتِ دعوتُ اللهَ أن يُعافيكِ!
فقالتْ: بل أصبر، ولكني أتكشَّفُ! فادعُ اللهَ ليَ أن لا أتكشَّف!
فدعا لها.
كانتْ المرأةُ تُعاني من نوبات الصَّرع، فإذا أصابتْهَا النوبة سقطتْ أرضاً، ربما وهي في لحظةِ غيابِ وعيٍ سقطَ حجابها عن رأسها أو انكشف شيء من عورتها، فجاءتْ إلى طبيبِ القلوبِ والأبدانِ تسأله الدُّعاء، فخيَّرَها بين الشفاء فوراً، وبين أن تصبرَ والعوض الجنة، فاختارتْ الجنَّة على الفور!
وهذه حادثةٌ مخصوصةٌ بهذه المرأة، فليس للمريض أن يقعدَ في بيته ولا يطلب الشفاء عند الأطباء احتساباً للأجر، فالنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم تداوى وأمرَ بالتدواي، ولكنه عرضٌ لا يُفوَّتْ، وكانتْ المرأة حاذقة فعلاً، فاختارتْ الحياة الباقية، على الحياةِ الفانيةِ التي سيزول نعيمها أو شقاؤها بالموت!
ولكني أتكشَّف! هنا مربط الفرس
لقد هانَ على المرأة نوبات الصَّرع ولكنه لم يَهُنْ عليها أن يسقطَ حجابها عن رأسها أو أن تنكشفَ عورتها، فما بال نساء المسلمين قد زهدنَ بالحجاب فسرَّحنَ شعورهن للناظرين من غير صرع! وكشفنَ الرقابَ والسواعدَ من غير مسٍّ، ولبسنَ ما تعرفون جميعاً اتباعاً للموضة، لماذا هانتْ المرأة على نفسِها عند هذا الحد؟!
هذا بالنسبة إلى غيرِ المُحجبات، أما عن حجاب التبرُّج فحدِّث ولا حرج!
الحجابُ ليس تغطية للشعر فقط، فأنتِ لستِ طباخة تخافُ أن يسقطَ شيء من شعرها في الطعام، ولستِ طبيبة وضعتْ قبعةً على رأسها في غرفة العمليات كضرورةٍ من ضروراتِ التعقيم، حتى صرنا لا نجد فرقاً بين المُحجبة وغير المُحجبة في اللباس إلا قطعة القماش التي تُغطي بها شعرها!
الحجابُ لباسٌ ساترٌ للجسد لا يَصِف ولا يَشِف وأي شرط يسقطُ فهذا ليس حجاباً، إنها عبادة هوى، تُشبه أن يُصلي المرءُ الظهرَ ثلاث ركعات! العباداتُ تكون وفق ما جاء به الشرع، أما تغطيةُ الشعرِ برقبةٍ مكشوفةٍ، أو بنطلونٍ ضيقٍ، أو كنزةٍ تُظهر المفاتن أكثر مما تسترها فهذا حجاب موضة وليس حجاب التزام!
أما عن عُطور بعض المُحجبات ومساحيق التجميل فحدِّث ولا حرج!
اتقوا الله في أنفسِكُن، وفي الشباب، وفي هذا الدين الذي تحمِلْنَه فإنكنَّ قُدوات، وتخيلنَ لو أن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم رأى إحداكُنَّ في حجاب الموضة هذا فماذا سيقول لها؟!
أدهم شرقاوي / صحيفة الوطن القطرية
#أدهم_شرقاوي
سورة القلم
نون، والقلم وما يسطرون.
تفسيرات كثيرة كانت تشير إلى أنه اسم الحوت الذي ابتلع سيدنا يونس.
ابن منظور في لسان العرب يقول بوضوح أن النون هو "سمكة" عند العرب وجمعها نينان، كما يقال أن النون هو اسم لسيف على شكل سمكة.
ويقوي كل هذا إشارة قرآنية لاحقة ليونس عليه السلام بصفته " ذا النون"..والآيات التي في آخر السورة..التي تتضمن الإشارة إلى " صاحب الحوت"..
نحن إذن أمام إشارة مباشرة من الوحي، تنبه الرسول الكريم إلى تجربة يونس عليه السلام تحديدا.
سياق النون ( حوت يونس) مع القلم، ومع " ما يسطرون" يشير إلى أن مطلع السورة يشد من أزر الرسول الكريم بوضعه في سياق من سبقه من أنبياء أهل " الكتاب"...السورة السابقة / الأولى ابتدأت بـ " اقرأ"...الآن هناك إشارة إلى نبي كتابي، مع إشارة إلى القلم ( وهو يسبق عملية تسطير الكتاب بطبيعة الحال) ، وهناك إشارة إلى فعل مباشر لاستخدام القلم: يسطرون.
الفكرة: الكتاب يسطر الآن...
ثمة كتاب، مثل كتب أهل الكتاب، يحدث الآن، يسطر الآن..
وهذا المخاض الصعب، الحمل الثقيل، هذا الحوت الضخم الذي يثقل صدرك يا محمد هو من ضرورات تسطيره.
**
لكن لماذا يونس؟ ولماذا حوت يونس؟
أغلب قصص الأنبياء تنتهي بعقوبات لأقوام هؤلاء الأنبياء بعد أن كذبوهم وحاربوهم.
أو على الأقل تنتهي بترك الأنبياء لأقوامهم وخروجهم مع المؤمنين بهم.
يونس من الفئة النادرة جدا من الأنبياء الذين نجحوا في تغيير قومهم على نحو يتفادى العذاب والعقوبة الجماعية.
إذن، أول نبي يشار إلى سيرته في القرآن، في هذا الوحي النازل على قلب وروح وعقل محمد، هو نبي نجح في تغيير قومه.
لقد قال له ورقة: سيخرجك قومك. وكان على حق فيما قال.
والوحي يقول له: هناك من نجح.
فيكون أول من ذكر في القرآن...
*
لكن الوحي لا يجعل ذلك سهلا أبدا، نثبتك ونهدئ من روعك. لكن لا أوهام.
يونس دخل بطن الحوت. بطن الحوت. تخيل يا محمد. بطن الحوت.
لكن لماذا دخل بطن الحوت؟ لأنه بالضبط مر بما تمر به اليوم من أسئلة وشعر بهول ما تشعر من صعوبات.
وقف أمام مدينته الضخمة القوية، نينوى، وهو يحمل هم دعوته وثقلها، وفكر: الأمر صعب جدا. لن يتغيروا. لن يصدقوا أن الله قد أوحى لي بشيء. لن يتركوا ما عبد آباؤهم وأجدادهم من أجل وحي جاءني ولم يصدقوه.
وجد يونس أن الأمر أصعب بكثير من طاقته وقدرته. هكذا قدر.
وفر من نينوى. راكبا البحر.
ثم ابتلعه الحوت.
ومن بطن الحوت..نادى ربه وقد فهم أنه قد كان ظالما لنفسه ولقومه لأنه لم يبذل كل جهده في المحاولة.
ومن هناك قرر أن يعود لقومه.
المرور ببطن الحوت جعل يونس أقوى..
وعندما عاد، آمن به قومه.
لكل هذا، كان يونس أول من ذكر من الأنبياء في الوحي المنزل على قلب محمد..
لن يذكر لاحقا بالكم الذي سيذكر فيه موسى أو نوح أو عيسى...سلام الله عليهم جميعا..
لكن ذكره في البداية هنا، في هذه المرحلة الصعبة الوعرة من بداية الوحي، ترك أثرا كبيرا ولا بد على قلب محمد، على قلبه وروحه وعقله، على كله. عليه الصلاة والسلام.
*******
مطلع السورة وآياتها الأربع الأولى ينسجم تماما مع ما يمكن أن يكون يحدث في نفسه عليه الصلاة والسلام...
مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3) وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)
كان عليه الصلاة والسلام قد قال لخديجة رضي الله أنه خشي على نفسه، فيما يفهم أنه خوف من أن يكون قد مسه عرض من جنون.
أي شخص " عاقل" يمر بما مر به الرسول من تجربة وحي، كان سيفكر بالشيء ذاته...هل أصابه سوء؟
هذا هو رد الفعل "الطبيعي" لشيء خارق لا يحدث إلا نادرا جدا في تاريخ البشرية.
أي رد فعل آخر، يتصرف مع شيء مشابه كما لو كان أمرا طبيعيا، سيكون رد فعل غير طبيعي، مفتعل، ويستحق التفحص.
الرسول خشي على نفسه وأسر بذلك لخديجة ونقل الأمر لاحقا للسيدة عائشة رضي الله عنهما.
الوحي الذي نزل عليه بعد هذا كان يقول له، لست بمجنون. لا يساورك لحظة أن ما مر بك كان وهما. كل ما مررت به كان حقيقة. وكل ما تشعر به وتخشاه في أعماقك وتسر به بهمس لزوجتك يعرفه منزل الوحي.
الوحي، يمسك بتلابيب قلب محمد، كما لو كان ينظر له عينا بعين، ويقول له: لست بمجنون.
ليس هذا فقط...الوحي لا يزيل الخشية من هذا فقط، بل يقول له أن ثمة " أجر كبير" لاحق لهذا الحمل الثقيل. الحمل الثقيل أصلا نعمة. رغم ما يبدو من صعوبته، إلا أنه نعمة كبيرة، وسيتبعها أجر كبير، غير ممنون...مكانة كبيرة...
كما أن الوحي هنا يذكره عليه الصلاة والسلام أن اختياره لهذه المهمة، لهذا الحمل، لهذه النعمة، لم يكن عشوائيا، بل كان على أساس هذه الأخلاق العظيمة التي بذل محمد عليه الصلاة والسلام جهدا كبيرا من التنقية للوصول لها.
نفس ما فعلته سيدة الحكمة، السيدة خديجة، في تلك الليلة..يوم قالت له بشدة نافية شبهة الجنون: كَلَّا....فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ
الكَلَّ..إلى آخر ما قالت.
لكن هذه المرة الوحي هو الذي يقول له..
عينا بعين...في داخل قلبه.
****
فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)
...الوحي هنا، يربط وضع الرسول الكريم عليه الصلاة بوضع يونس عليه السلام تحديدا لأسباب مر ذكرها، وهو يقول له: لقد فكر يونس أن الأمر أكبر من قدرته، كما يمكن لك أن تفكر انت بالضبط...لكن الفرار من المسؤولية لم يكن خيارا صائبا من يونس في تلك المرحلة....ولذلك لا تفكر أصلا في جعله خيارا من خياراتك...
قال الوحي...لا تكن كصاحب الحوت..
وهذا يعني، أنه كان يمكن أن يكون...لكن الوحي " عصمه" من احتمالية بطن الحوت...
انتشله من مجرد التفكير بالفرار من المسؤولية...
من "السيرة مستمرة" بتصرف
#قصار_السور_العمري
#أحمد_خيري_العمري